مساحات رأي

قراءة في مولد النور محمد رسول الإنسانية والرحمة الإلهية

1أسماء الشامي

مهما كتبنا في حق رسول لله صل الله عليه وآله وسلم فلم ولن نستطيع أن نفيه حقه ولا نفهم كنهه، هذا الرسول الذي أشرقت الأرض بنوره، فكان مظهراً لتجليات رحمة الله في الأرض  (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

حيث كانت الأرض تعيش في ظلام وجاهلية وانسلخت منها الإنسانية إلا ما ندر،كانت الأرض تعيش تحت هيمنة إمبراطوريات منها الروم والفرس فكانت هي الأقطاب المهيمنة والمتصارعة في زمن بداية ظهر النور من شبة الجزيرة العربية الذي كانت تعيش أيضاً في جاهلية،بل كانت تعيش في ظلام مطبق يسودها حياة الغاب وعبادة الأصنام والانحلال الأخلاقي ووأد البنات وغيرها من العادات والتقاليد التي لا تتفق والفطرة الإنسانية.

كان الصراع هو المظهر السائد والنزاع والفرقة في المنطقة، ومع ذلك كانت هناك النبوءات تتحدث بظهور نبي آخر الزمان وكان هناك من يتابع ظهور هذه العلامات وهم على فريقين:

فريق منهم ينتظر الهداية ويبحث عن الطريق للإيمان بالرسول ونبي آخر الزمان المنقذ للبشرية والهادي لها والمصلح الذي ينتظره المستضعفين في ذلك الزمان .

والفريق الآخر هم الطغاة ومستكبري ذلك الزمان الذي لا يريدون أن تتكرر ما حدث من سنن مع نمرود ونبي الله إبراهيم عليه السلام حيث كانت النبوءات تتحدث أنه سيظهر من يزلزل عرش نمرود، وكذلك فرعون ونبي الله موسى عليه السلام كذلك حيث عمل فرعون في قرب ولادة موسى عليه السلام بقتل الأطفال لعلمه السابق بظهور نبي يكون عدو لفرعون.

هكذا هي السنن، وعند دراسة تاريخ مولد النور الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وآله، حيث حدثت إرهاصات وعلامات على ولادته فهاجرت مجموعة من اليهود إلى شبة الجزيرة العربية، لاسيما إلى منطقة يثرب، وحول مكة المكرمة، حيث إشارات النبوءات إنه موطن نبي آخر الزمان.

وربما الحديث يطول في سرد هذه الأحداث وتحتاج إلى أبحاث تفصيلية كونها مهمة في دراسة الموالد النبوية. ومن هذه الأحداث إنه قرر حاكم اليمن “أبرهة الحبشي” أن يبني كنيسة يعبد الله فيها في اليمن، ويمنع أن تكون مكة هي مركز العبادة والحج. حيث كان الظاهر من هذا القرار إنه اقتصادي وديني حيث كانت قريش تستفيد من الحج من الناحية الاقتصادية، وتقود قبائل شبة الجزيرة من الناحية الدينية، ولكن هذه هي الأسباب الظاهرية. ولأسباب واهية قرر “أبرهة الحبشي” غزو مكة، وهدم الكعبة بذريعة أن أحد العرب أهان الكنيسة التي بناها، فحرك الجيوش لتلك الأسباب. والقصة معروفة، ولكن ما لم يكن يدركه العرب أن هناك أسباب خفية جعلت من حاكم اليمن الذي كان تابعا للإمبراطورية الفارسية يقرر هدم الكعبة. وحدث ما حدث حيث اجتمعت قريش، وقررت المواجهة وصد العدوان، ولكن بعد مشاورات مع عقلاء العرب، ومنهم سيد البطحاء “عبد المطلب” عليه السلام، والذي قرر أن لا يتم مواجهة جيش “أبرهة” كونه يعلم أن قريش وقبائل شبة الجزيرة لم تكن مهيأة للدفاع عن مكة باعتبارها بيت الله وأن دفاعهم لأسباب مادية لا تبشر بالنصر الإلهي.

ولكون “عبد المطلب” كان يعلم الأسباب الخفية التي تحرك من أجلها  “أبرهة الحبشي” والتي تجهلها قريش، حيث نجد أن المولد النبوي مقرون بـ”عام الفيل”، وهذا ليس من باب المصادفة، بل كان تحركا مدروسا لاحتلال مكة والسيطرة عليها، وقتل أطفالها، كما فعل فرعون في قوم موسى عليه السلام. وبالتالي كان الهدف هو مراقبة ظهور مولد نبي آخر الزمان وقتله في المهد حتى لا تتكرر أخطاء فرعون والنمرود وكانت المشيئة الإلهية في منع ذلك، وحكمة عبد المطلب الذي طلب عدم مقاتلة جيش “أبرهة الحبشي”، وكانت المعجزة “للبيت رب يحميه”.

 

ولد الرسول الأكرم في أجواء هادئة بعيدا عن أنظار المتابعين والمراقبين لظهوره. ومرت السنين وكان “محمدا” هو الصادق الأمين في قومه، وكان يحمل القيم وتجلت فيه إنسانية الإنسان، وتهيأت له الأرضية في تشخيص الأوضاع ودراسة المجتمع وما يحتاج إليه للبدء في دعوته، فجاء الأمر الإلهي بأن ينذر قومه.

في مكة، بدأ دعوته إلى الله ،ويصحح المفاهيم والثقافة المغلوطة التي توارثتها قريش، وعمل على إخراجهم من الظلمات إلى النور، فالتحق به القلة من المستضعفين وعارضه أصحاب المصالح والمتنفذين من قريش، وحرضوا عليه رغم أنهم يعلمون صدق دعوته، ولكن تعارضت المصالح، فمصالح المستكبرين من قومه لا تريد العدالة الاجتماعية ولا تريد أن يتحرر الناس من سيطرتهم ويظل الناس عبيدا لهم.

فحاولوا بكل الطرق والوسائل من ترغيب وترهيب لمنع الرسول الأكرم في الاستمرار في دعوته وعرضوا عليه الملك على أن يتخلى ولو بالقليل عن أهداف دعوته وكلها باءت بالفشل ،فضيقوا عليه الخناق وقاموا بمؤاذاة الرسول ومحاولة قتله وقتل أتباعه ومحاصرته حتى أتى الأذن والأمر الإلهي بأن يهاجر إلى يثرب. وفي هذه الأثناء، ولكون الحاضنة في مكة لم تكن مهيأة، وكانوا قلة تحرك الرسول إلى تهيئة الأرضية في مكان آخر يستطيع أن تستمر الدعوة، وحتى لا يتم استئصال أتباعه فأمر بالهجرة، فمنهم من هاجر إلى الحبشة، وفي وقت آخر أمر بالهجرة إلى يثرب.

بعد الهجرة إلى يثرب التي كان يوجد فيها قبائل يمانية من “الأوس” و”الخزرج”، وقلة من اليهود الذي عمل الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، على حل المشاكل وعمل المصالحة بين “الأوس” و”الخزرج”، وإنهاء الاقتتال بينهم، والذي دام لأكثر من مئة وخمس سنوات، والذي كان سببه اليهود ومن تحالف معهم من الزعماء، ومنهم “عبد الله بن أبي” الذي كان مرشحا لمنصب الملك في يثرب، وبدعم من اليهود كونه كان مصدرا لبيع السلاح ويعمل على إثارة الفرقة والاقتتال بين قومه خدمة لليهود وتحقيق لمصالحه، فجاء الرسول وردم كل هذه الثغرات وأصلح بين “الأوس” و”الخزرج” وآخى بينهما، وأسلم الكثير منهم واستجاب لدعوته لأسباب ليس محل لذكرها هنا.

ثم عمل بخطوات تدريجية وآخى بين المهاجرين والأنصار وأصبحت يثرب تسمى المدينة المنورة لأنها أصبحت مركزاً للنور الإلهي المتمثل بالرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ومن هنا بدأ تأسيس الدولة الإسلامية، وتم عمل أول وثيقة تعد دستوراً لتحديد الحقوق والواجبات بين المسلمين وأهل الذمة من يهود ونصارى حتى العلاقات الدولية.

الأرض كانت بحاجة إلى ثورة ولن ينقذ أهلها إلا بثورة السماء التي قادها الرسول الأكرم، والذي حمل المبادئ والقيم، وكان على خلق عظيم، وتجلت فيه الرحمة الإلهية وغرس الحب والأخوة الإيمانية، وبنا مجتمعا إسلاميا متماسكا، وخاطب الإنسان بإنسانيته، وقدم مشروعا متكاملا في كل جوانب الحياة.

يجب علينا في مثل هذه المناسبة أن نراجع أنفسنا وأن نرجع لدراسة سيرة النبي الأكرم ونجسدها قولاً وعملا وأن نتخذه قدوة وأسوة حسنة لأنه لا سبيل لهذه الأمة لكي تنهض إلا بالرجوع إلى نبيها والتسليم لأوامره، ويمكن لكل مسلم أن يستلهم هذه الشخصية العالمية من القرآن الكريم، وأن يعرف أن الرسول الأكرم هو الرجل الكامل في عالم الإمكان الذي مدحه الله بأنه على خلق عظيم، وأنه كان شديدا على الكفار رحيما بالمؤمنين.

وكم نحن اليوم، بأمس الحاجة إلى أن ترجع الأمة إلى رسولها وأن تستكمل هذه الرسالة وأن نكون نموذجا للإنسانية حتى نفضح كل من يتغنى باسم حقوق الإنسان من دول الكفر والضلال التي على رأسها أمريكا وأدواتها في المنطقة، والتي تتحدث عن الإسلام وهم أشد كفرا ونفاقا، وتعمل على تشويه الإسلام وشيطنته حتى لا يعرف العالم حقيقة الإسلام وحقيقة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

لقد جاءت المسيرة القرآنية بما تحمله من منهج قرآني لتربطنا بالرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجسدت المبادئ القيم الذي تحرك بها رسولنا الأكرم لذا نجد أعداء الأمة سواء من الداخل أو الخارج تكالبوا عليها وتآمروا من أجل إجهاضها وإفشالها والقضاء عليها الأمر الذي يجب علينا أن نحافظ عليها ونستمر في مشروعنا القرآني مع قائد المسيرة الذي يعد نموذجا للقائد المخلص لهذه الأمة، والذي مثل المظهر لحقيقة الإسلام المحمدي الأصيل الذي يعمل لإعادة نهج جده رسول الله ويعمل على استنهاض المسلمين في مواجهة الأعداء الحقيقيين لهذه الأمة رحيما بالمؤمنين شديدا على دول الكفر والاستكبار العالمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى