تقارير

رجل السعودية والإصلاح.. وعدوّ «الجميع» منصب نائب الأعلى للقوات المسلحة غير موجود بالدستور اليمني السعودية ترسم ملامح الحكم بعد الحرب محلل سياسي وعسكري جنوبي: الشعب لن يقبل بمن استبد لعقود أن يعود حاكماً

الهوية – خاص.

في الوقت الذي كشف مصدر قانوني أنه لا يوجد في دستور الجمهورية اليمنية منصب (نائب الأعلى للقوات المسلحة)، وهو الدستور الذي ينص على وجود نائب رئيس الجمهورية فقط، ويوجد قائد أعلى للقوات المسلحة، واحد فقط، هو رئيس الجمهورية.

يمثّل القرار غير الدستوري بتعيين علي محسن الأحمر نائباً عاماً للقوات المسلحة، كضغط مباشر من النظام السعودي، ومؤشراً على بداية رسم مرحلة ما بعد الحرب في اليمن. التعيين الذي يحمل رسائل سياسية وعسكرية داخلية وخارجية، يُرسي تقاسم النفوذ الخليجي في المستقبل السياسي لليمن

ويُعدّ علي محسن الأحمر (1945) أحد أبرز مؤسّسي حزب «الإصلاح» وقادة حروب صعدة الست، إضافةً إلى التصاق اسمه بحرب 1994 على الجنوب. وهو لذلك، بالرغم من شعبيته في الأوساط الإخوانية والسعودية في البلاد، يُعتبر شخصية مكروهة من فئات واسعة من أبناء شعبه.

اختفى الأحمر عن الأنظار في سبتمبر عام 2014، بعد «ثورة 21 سبتمبر» ودخول حركة «أنصار الله» العاصمة صنعاء، ثم أقام لأكثر من سنة في الرياض التي سعت إلى «إعادة إنتاجه» في الآونة الأخيرة بأكثر من طريقة، إلى أن عاد اسمه إلى البروز مجدداً بعد اندلاع الحرب.

اللواء علي محسن الأحمر، أدى اليمين أمام الرئيس الفارّ عبد ربه منصور هادي في مقرّ إقامته في الرياض، بعدما عيّنه الأخير نائباً عاماً للقوات المسلحة اليمنية. وبما يؤكد أن قرار التعيين جاء بضغط مباشر من النظام السعودي.

سياسياً، يحمل قرار تعيين الأحمر دلالات عدة. أولاً، تعكس هذه الخطوة رسالة سعودية إلى الإمارات متعلقة بمرحلة ما بعد الحرب. فأبو ظبي التي وفّرت موطئ قدمٍ لها في المرحلة المقبلة داخل اليمن، عبر تعيين خالد بحاح، «رجُلها»، نائباً لرئيس الجمهورية، قابلتها الرياض بتعيين الأحمر نائباً لقيادة الجيش، وهو المنصب غير الموجود دستورياً في الأصل. وبذلك، تكون الدولتان المتنازعتان على تقاسم «الكعكة» اليمنية، قد تقدمتا باتجاه تكريس واقع لنفوذهما في العملية السياسية المقبلة، ولا سيما أن الأحمر، بسبب تاريخه الطويل في الدولة، قادر على إدارة المرحلة المقبلة التي لا يزال شكل الحكم فيها مجهولاً ومنتظراً مآلات الميدان.

ثانياً، يُعَدّ هذا التعيين ضربة قوية للجنوبيين، ويمثل ظهوره في مناصب رفيعة وإعادة تثبيته لاعباً أساسياً في المشهد السياسي رسالة إلى الجنوبيين تفيد بـ«وأد» حلمهم بالانفصال بعد الحرب، والذي كان التحالف السعودي قد استخدمه «لإغوائهم» بهدف كسب دعمهم في الحرب المستمرة. وكان هادي، في الأشهر الأولى من العدوان، قد أكد مرات عدة أنه ليس على اتصال بالأحمر حرصاً على كسب مواقف قيادات جنوبية مثل الرئيس السابق علي سالم البيض. ويرى مراقبون ما جرى أمس، مؤشراً على أن «الحراك الجنوبي» أصبح ضعيفاً وغير ذي تأثير في حسابات الرياض و«التحالف»، وهو ما يضع القوى الجنوبية أمام امتحان.

ثالثاً، تشير المعطيات الميدانية إلى أن هادي ومن خلفه السعودية، يعوّلان على تعيين الأحمر في نيل تأييد قبائل صنعاء والقادة العسكريين البارزين فيها، حيث لا يزال الأحمر يحظى بتأثير، وذلك في إطار التجهيز لـ«معركة صنعاء»، بعد سيطرة المجموعات المسلحة المؤيدة للتحالف السعودي، ولا سيما التابعة لحزب «الإصلاح» على منطقة فرضة نهم شرقي المحافظة.

من جهتها، وضعت حركة «أنصار الله» قرار هادي في إطار «الصراعات داخل جبهة القوى المؤيدة للعدوان. ونقلت صحيفة الأخبار اللبنانية عن عضو المجلس السياسي في «أنصار الله»، عبد الملك العجري، قوله إن علي محسن «هو الرجل الوحيد الذي يمتلك علاقة قوية بالجماعات المتطرفة التي تتصارع في الجنوب على النفوذ والسيطرة من جهة، وبين الجماعات المسلحة الأخرى الموالية لهادي وللإصلاح».

وقد أفادت معلومات ميدانية بأنّ ثمة خلافات عميقة بين قيادات عسكرية موالية لـ«التحالف»، ولا سيما في مأرب والجوف، أبرزها خلافات هاشم الأحمر ومحمد المقدشي، على القيادة في تلك المناطق، حيث يرفض الأحمر أن يكون تحت قيادة المقدشي والعكس.

وفي هذا السياق، يرى العجري أن تعيين اللواء الأحمر «من شأنه أن يحتوي تلك الخلافات»، مضيفاً أن المقدشي وهاشم يمكن أن يتحركا تحت إمرة محسن، وهذا قد يكون واحداً من أسباب تعيينه».

وفيما احتفى الإعلام المؤيد للسعودية بتعيين الأحمر باعتباره «مقدمة لتغيير موازين المعركة الدائرة في مأرب والجوف بصورة خاصة وبما له من تأثير في التقدم إلى صنعاء»، يرى العجري أن الأحمر بات ورقة مجربة، مستبعداً أن يتمكن من العودة إلى اليمن (عدن)، لكونه مرفوضاً لدى الكثير من القوى هناك، «وإن كان إعلان الرفض مؤجلاً حالياً». ويضيف القيادي في الحركة أن علي محسن «خسر كل عوامل قوته في الشمال وكل رجالاته التي كان يعتمد عليهم في الجيش والقبيلة»، متوقعاً أن يكون للأحمر تأثير في الجماعات التكفيرية إلى جانب لم شمل المسلحين في أكثر من موقع، إضافة إلى استقطاب الكثيرين منهم إلى الجبهات.

وحول موقف الجنوبيين من القرار, نقل موقع “عدن الغد” عن المحلل السياسي والعسكري الجنوبي العميد علي صالح الخلاقي قوله: ” بالنسبة للجنوبيين، فلا فرق بالنسبة لهم بين الرئيس المخلوع وجنراله العجوز, ويظل (علي كاتيوشا) في نظرهم وفي ذاكرتهم الحية أحد رموز حرب اجتياح واحتلال الجنوب عام 94م وما نتج عنها من نهب وسلب وتدمير لمقومات وثروات الجنوب”.

مؤكداً أن الأحمر اعترف باجتياح الجنوب واحتلاله بعظمة لسانه حينما اختلف مع رئيسه وارتدى معطف ثورة التغيير, ففي خطاب له يوم 5 نوفمبر2011م قال :” إن علي عبد الله صالح حكم الشمال بالاستبداد وحكم الجنوب بالاستعمار ولهذا فإن التغيير يعتبر واجباً”..

وتابع الخلاقي :” هذا الاعتراف الصريح، الذي أراد به النكاية برئيسه المخلوع لا يبرئه مما لحق بالجنوب فقد كان شريكاً في ذلك الاستبداد للشمال على مدى 33عاماً والاستعمار للجنوب منذ 94م”.

واستبعد الخلاقي أن يقبل اليمن بالجنرال الأحمر, قائلا ” لا أعتقد أن الشمال اليمني سيقبل بمن استبد به لعقود, كما لا يمكن للجنوبيين، بعد كل ما قدموه من تضحيات جسيمة، أن يقبلوا بعودة من استعمرهم من نافذة الشرعية بعد أن طردهم من باب المقاومة”.

كما أن ردود الفعل للقيادات الجنوبية، تمثلت فيما نشرته وسائل إعلام مؤيدة لتحالف العدوان، من تقارير أشارت فيها إلى اعتزام قيادات جنوبية بارزة في السلطات الحكومية اليمنية، إعلان موقفها رسمياً الرافض لقرار الرئيس عبد ربه منصور هادي، بتعيين اللواء الركن علي محسن صالح الأحمر نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة، عقب لقاء يجمع القيادات الجنوبية بهدف اتخاذ الإجراءات المناسبة لتجسيد وحدة الصف الجنوبي.

وكشف مصدر سياسي جنوبي عن تداعي عدد من القيادات الجنوبية في السلطات الشرعية بعضها في مناصب رفيعة، في محافظتي عدن ولحج، لتدارس متطلبات وظروف المرحلة الراهنة وانعكاساتها على المحافظات الجنوبية بشكل عام.

واستبعد المصدر أن يكون من بين قرارات القيادات الجنوبية تقديم الاستقالات حرصاً منها على عدم إرباك المشهد العام في الساحة الجنوبية وإرباك الشرعية ودول التحالف العربي وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، واعتبر المصدر تعيين الأحمر في هذا المنصب الرفيع بالجيش اليمني بمثابة القضاء على تنفيذ مخرجات الحوار اليمني وإنهاء حلم بناء الدولة المدنية الاتحادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى