تحليلات

تطبيع العلاقات مع السعودية بعد استنزافها عسكريا واقتصاديا  اليمن ضحية نووي إيران

التحالف1 

 

الهوية – خاص.

بالرغم من موقع اليمن الاستراتيجي المطل على باب المندب، وبجوار أعظم مخزون نفطي في العالم. إلا أن اليمنيين يعيشون في مجتمع يسيطر عليه الفقر والعوز، تطاردهم لعنة جيران السوء، وتتجاذبهم الحروب والصراعات السياسية. وبالرغم أن ما يحدث في اليمن، يبدو أنه صراعا داخليا على السلطة منذ أكثر من نصف قرن، إلا أن الجديد أنه اليوم بغلاف طائفي، إذ أصبحت اليمن الساحة الأحدث للتنافس السعودي الإيراني الذي يلف أركان الشرق الأوسط، ليتحول، ما كان يوما ما، صراعًا داخليًا على السلطة بين فصائل يمنية متعددة، إلى حرب بالوكالة بين الرياض وطهران. حيث أن الغباء السياسي الذي يلتحف به الفكر السعودي جعل المملكة تنظر إلى الحوثيين، كـ”وكلاء لإيران”، التي لم تفعل شيئًا لتبديد تلك الفكرة من أذهان السعوديين، رغم نفوذ طهران المحدود على الحوثيين.

الحقيقة أن طهران لا ترى في الحوثيين حليفًا إقليميًا، لكنها تعتبرهم مقاومة مفيدة لغريمتها الإقليمية. وإيران، لا تجد أي حرجا في التصريح علنا بأن لديها مستشارين سياسيين وعسكريين في سوريا وفي العراق، ولكنها لا تقول إن لديها مستشارين عسكريين وسياسيين في اليمن. وفي منتصف مايو الفارط، قال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، النائب حسين نقوي، إن طهران لو تدخلت في اليمن لتلاشت السعودية وأصبحت من الماضي، مشيراً إلى أن السعودية ليست بمقدورها مواجهة القوة العسكرية الإيرانية.

وأوضح نقوي، أن طهران تقف دائما إلى جانب الشعوب المظلومة والمضطهدة، مشدداً على أن من واجب بلاده دعم الشعب اليمني.

وأضاف المسؤول الإيراني: “نحن لم نتدخل في اليمن بل ساعدنا شعبه لمقاومة العدوان”، داعياً الرياض إلى أخذ العبرة من الدروس التي لقنتها طهران لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حرب الثمانينيات القرن الماضي بحسب قوله.

في المقابل، فإن الدعم العسكري الأمريكي للعدوان السعودي على اليمن خدم واشنطن في إعادة طمأنة حليف عربي رئيسي، يشعر بالقلق من الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة.

ولكن في نهاية الأمر، لا يحتمل أن يحقق أي من طرفي الصراع انتصارًا واضحًا، فليس من المرجح أن تفرض السعودية إرادتها على اليمن، كما لن تستطيع إيران بسط نطاق تأثيرها، بشكل متزايد، وتخشى الرياض من أن يتسبب الاتفاق النووي بين طهران ودول (5+1) في انفراج العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، بما يعزز قوة الأخيرة، والتي تعتبر قوة إقليمية مهيمنة، ولديها ارتباطات مؤثرة في كل من العراق وسوريا ولبنان، ويحتمل أن تستغل عدم الاستقرار المستقبلي في دول عربية أخرى، لا سيما إذا تمكنت من تقويض السلطات السعودية.

وتتمثل رؤية السعودية في صعود “أنصار الله” باليمن، في كونها الخطوة المقبلة للأجندة الإقليمية لإيران. وفي الحقيقة، حارب الحوثيون السلطة المركزية في اليمن قبل وقت طويل من ملاحظة إيران لهم. وعلاوة على ذلك، فإن للحوثيين، واليمن بوجه عام، اهتمامات سطحية بإيران، ولكن التصور السعودي للحوثيين، وكأنهم إيرانيون، أصبح فرصة بالنسبة لطهران لاستغلال مخاوف المملكة.

لجوء طهران إلى استفزاز الولايات المتحدة، عبر التدخل العلني في الصراع اليمني، يبدو خيارًا بعيدًا، خوفا من تعقيد المفاوضات النووية، لكنها تحتفظ بدعمها للحوثيين على نحو منخفض ومحدود. ومع ذلك، تواصل الجمهورية الإسلامية رؤية الصراع اليمني، كوسيلة لاستفزاز واستنزاف السعودية.

بدون حل سياسي، قد تتحول اليمن، الدولة الأفقر في شبه الجزيرة العربية، إلى مستنقع، ومصدر سرمدي للتطرف والإرهاب، يصيب الشرق الأوسط. خاصة، في ظل الدفع في اتجاه مباراة هيمنة صفرية المجموع بين الجمهورية الإسلامية والمملكة الخليجية.

وبالطبع، قد يندرج كل ذلك تحت بند التمني، لأن قادة إيران والسعودية يبدون ملتزمين بدحر بعضهما البعض، كما قد يتم تجاهل الأصوات البرجماتية في كلتا الدولتين تحت وطأة مخاوف طائفية، وعقليات تأمل  في “نصر يلوح في الأفق”.

لكن لا يوجد ما ينبئ بفوز متوقع، فكافة أطراف هذا الصراع خاسرة، ولا سيما الشعب اليمني، كما أن عدم الاستقرار في اليمن لا يصب في صالح إيران أو السعودية أو الولايات المتحدة، لا سيما وأن قاعدة شبه الجزيرة العربية تمثل تهديدًا عظيما للدول الثلاث، ولا يمتلك أي جانب في الصراع  إمكانية فرض سلطة مركزية في اليمن بذاته.

وبينما تصبح الحرب اليمنية امتدادًا للتنافس السعودي الإيراني، قد تخدم أيضا كبداية لانفراج العلاقات بين البلدين، حيث يبدو أن إيران تعمل على حملة “تطبيع” مع السعودية، فالرئيس الإيراني حسن روحاني، عبر عن اهتمامه بتهدئة التوتر مع الرياض، ومن الممكن أن يدور حكام السعودية البرجماتيين حول تلك الرؤية.

وبالرغم من أن العلاقات بين الدولتين لم تكن جيدة، خلال العقود الثلاثة الماضية، لكنها اتسمت بالليونة، والود السطحي في بعض الفترات.

وفي هذا السياق نشرت أربع صحف عربية مقالا لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بعنوان: “الجار ثم الدار … توصية أخلاقية أم ضرورة إستراتيجية”، يحث فيه دول الخليج العربية على العمل مع إيران للتصدي لموجة انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط. وجاء في المقال “علينا جميعا أن نقبل حقيقة انقضاء عهد الألاعيب التي لا طائل منها وأننا جميعا إما رابحون معاً أو خاسرون معاً.”

وقال ظريف في مقاله إن “امن المنطقة من أمن إيران”، معتبرا أن المنطقة كلها تتعرض لخطر جدي يتهدد كل الأطراف فيها. وأشار رئيس الدبلوماسية الإيرانية إلى أن طهران “لا يمكن أن تضمن استقرارها دون استقرار من حولها”، قائلا بشكل صريح: “إن الجيران أولوية في سياسة إيران الخارجية الحالية”.

وقالت صحيفة الشروق المصرية التي نشرت المقال إن هذه “الرسالة الإيرانية الأولى المباشرة للعالم العربي بعد توقيع الاتفاق النووي”. بينما قالت صحيفة السفير اللبنانية، المقربة من النظام السوري وإيران، والتي نشرت المقال أيضا إن المقال يمهد لجولة لوزير الخارجية الإيراني في عدد من العواصم العربية بعد توقيع الاتفاق.

وفي طهران، أكد مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن بلاده تعد لمبادرات لإعادة العلاقات بينها وبين دول المنطقة وخاصة السعودية. كما أكد عبد اللهيان في تصريحات لقناة “العالم “الإيرانية، الاثنين الفارط، استعداد إيران للتعاون مع السعودية لحل أزمات المنطقة، خاصة اليمن وسورية ولبنان وغيرها. وقال المسئول الإيراني إن الدبلوماسية الإيرانية تقوم على التعاون مع الجيران ودول المنطقة، “وبعد الخلاف المؤقت حول الملف النووي، فإن الأولوية الرئيسية هي لقضايا في المنطقة، وخاصة الاهتمام بدول الجوار والمنطقة أكثر من ذي قبل”.

وبالتوازي مع مؤشرات الذهاب إلى خيارات تسوية مريحة للعلاقات الإيرانية السعودية والخليجية، صدرت تصريحات قطرية اعتبرت “إيجابية” حول الاتفاق النووي.

بيد أن حملة “تطبيع” العلاقات الإيرانية مع الخليج، يرافقها تصعيد حثيث للخيارات العسكرية والحربية في اليمن تسارعت وتيرته الأيام الأخيرة، وصولا إلى الزج بترسانة حربية كبيرة من الدبابات والآليات المدرعة والمدفعية وراجمات الصواريخ ووحدات عسكرية قتالية عبر ميناء عدن والدفع بها إلى معركة قاعدة العند الجوية بلحج بتغطية كثيفة من الطائرات الحربية.

وبالتزامن مع التحركات العسكرية الميدانية جنوبا، جاء الإعلان بمنع الرحلات البحرية إلى ميناء الحديدة وتحويلها إلى ميناء عدن، إضافة إلى تعليق – “توقيف” – الرحلات الجوية هبوطا وصعودا إلى ومن مطار صنعاء الدولي.

ويعتقد مراقبون سياسيون أن العملية العسكرية الجديدة في اليمن، خطوة ذات صلة بالملف النووي الإيراني، وأن الخليجيين أرادوا التعبير عن رفضهم القوي لأيّة إمكانية لتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط لمصلحة إيران.

يقول أستاذ العلوم السياسية وإدارة الأزمات في جامعة صنعاء، الدكتور نبيل الشرجبي: “قيام دول التحالف بعملية السهم الذهبي هو الهدية التي حاول من خلالها الرئيس الأمريكي باراك أوباما طمأنة دول الخليج القلقة وغير الراضية عن الاتفاق النووي. فقد ظن الخليجيون أن الاتفاق بداية تخلي أمريكا عن بعض التزاماتها الأمنية تجاه دولهم، لكن الحاصل عكس ذلك. إذ سمحت الولايات المتحدة لدول الخليج وخاصة السعودية بالقيام بالعملية كإثبات على عدم تخليها عن حلفائها، وكدليل على تفهمها طبيعة المخاوف الأمنية الخليجية”.

وقال المحلل العسكري العميد الركن ثابت حسين: “أرادت السعودية تزامناً مع توقيع الاتفاق النووي الإيراني، أن ترسل رسالة سياسية وإعلامية تفيد بأنها ماضية في تحقيق كل أهداف عملياتها، وأن الاتفاق النووي ليس له تأثير في سير هذه العملية”.

ويرجح إعلاميون أن ما حصل مع الحوثيين في عدن، جنوب اليمن، بعد إطلاق عملية السهم الذهبي ليس هزيمة، وإنما تكتيك لإعادة ترسيم النفوذ الحوثي في اليمن.

القيادي في جماعة أنصار الله “الحوثيين”، إبراهيم العبيدي، قال: “إيران ليس لديها أي عمل أو تحرك سياسي في اليمن، واتفاقها مع دول 5+1 لا يعنينا. فما يهمها هو مصلحتها”.

وأضاف العبيدي: “ما نقوم به في اليمن من قتال للدواعش هو شأن داخلي، كما أن إيران تختلف دينياً عنّا كحوثيين. ولو أن لإيران علاقة قوية بنا لما تجرأت المملكة العربية السعودية على ضرب اليمن بهذا الشكل. لا شك في أن الرأسماليين الأمريكيين هم مَن يديرون الصراع في اليمن وقد اتخذوا من إيران فزاعة للمملكة السعودية بهدف إدارة شؤونهم في المنطقة”.

وتابع العبيدي: “نحن نحمّل إيران المسؤولية عمّا يحصل في اليمن لأنها لم تتخذ أيّ خطوة جدية إزاء قصف البلاد. هي لم تستطع إيصال حتى باخرة ماء. لا نخفي أنها قدمت مساعدات طبية وعلاجية غير أن طيران التحالف قصف مطار صنعاء الدولي ما أوقف المساعدات الإغاثية الإيرانية. وأيضاً اعترض التحالف سفينة إيرانية محملة بالأسلحة في المياه الإقليمية، وقال إنها كانت ستصل إلينا لكنها لم تصل. وفي المقابل، ضبطنا أسلحة أمريكية كثيرة ومختلفة قادمة من السعودية ومن بعض دول الخليج وهي في طريقها إلى الدواعش في اليمن”.

وأضاف: “إيران تخلّت عن مبادئ وقيم الإمام الخميني، وهم لن يدعمونا حتى نلتحق بمرجعيتهم الدينية في طهران ونحن لن نفعل ذلك. وما يهم إيران هو البحث عن تسوية لبرنامجها النووي وقد نجحت في ذلك”.

ويرى محللون سياسيون أن الأزمة اليمنية لم تعد شأناً داخلياً بل أصبحت دولية بامتياز، وحسب المحلل والباحث اليمني طه ياسين فإن حل الأزمة في اليمن لم يعد مرتبطا بيد طرفي الصرع في البلد بل إنه بيد السعودية وإيران.

ويرى ياسين أن خطورة الأمر تكمن في إطالة أمد الصراع لتحقيق مصالح للدولتين وليس لليمن. مشيرا إلى أن تمسك إيران بالملف اليمني هو محاولة فقط للضغط على المجتمع الدولي من اجل الملف الأهم وهو الملف السوري.

وقال: “في حال أن دول أوروبا أبقت على الرئيس بشار الأسد فإن الملف اليمني سيسلم كلياً للمملكة”. واختتم بالقول “إنه صراع دول نافذة والضحية هو الشعب اليمني”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى