القضية الفلسطينية وتحرير الأقصى .. ترمومتر الانتماء إلى الأمة
الهُوية نت || تحليل الكاتب _ أ.أحمد محيي الدين :
ليس من قبيل المبالغة القول إن القضية الفلسطينية كانت ولا زالت وستظل الترمومتر الذي يتم من خلاله قياس درجة الانتماء إلى الأمة الإسلامية إن لم نقل الانتماء إلى الدين الإسلامي الحنيف..
ذلك لأن المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وتحريره من دنس الاحتلال الصهيوني هو جوهر القضية الفلسطينية..
ومن يمعن النظر في تأريخ الصراع العربي الصهيوني سيجد أن الحركة الصهيونية العالمية ومن يدور في فلكها تعمل جاهدة على تصوير القضية الفلسطينية وكأنها قضية لا تخص العرب والمسلمين وإنما هي مجرد نزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين على تقاسم أرض فلسطين وفقاً لقرار التقسيم الشهير الصادر عن الأمم المتحدة ظلماً وعدواناً..
كما سيجد أن الصهاينة في الوقت نفسه هم من رفض جميع قرارات الأمم المتحدة وفي مقدمتها قرار التقسيم الذي تضمن تقسيم مدينة القدس إلى شطرين هما الشطر الشرقي والشطر الغربي ودأبت وسائل الإعلام على تسميتها القدس الغربية والقدس الشرقية وهي الشطر الشرقي الذي يضم المسجد الأقصى المبارك..
ومنذ صدور ذلك القرار وحتى اليوم فإن جميع حكومات الاحتلال المتعاقبة وجميع المسؤولين الصهاينة يؤكدون في تصريحاتهم وأحاديثهم بأن القدس هي العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل على حد تعبيرهم..
وهو ما يعني أن تقسيم القدس بشكل خاص وتقسيم فلسطين بشكل عام وفقاً لقرار دولي صادر عن الأمم المتحدة لم يكن سوى الحلقة الأولى من مؤامرة احتلال فلسطين ووضع اليد الصهيونية عليها بالكامل ولم يكن ذلك القرار سوى ذراً للرماد على العيون للتغطية على إيجاد الكيان الصهيوني كدولة معترف بها دولياً لتصبح أول دولة على خارطة العالم يتم إنشاؤها بقرار صادر عن الأمم المتحدة..
وهذا هو ما تأكد بما لا يدع مجالاً للشك عندما قام الكيان الصهيوني بشن عدوان الخامس من يونيو عام 1967م الذي قام خلاله باحتلال جميع الأراضي الفلسطينية التي تضمنها قرار التقسيم كما قام باحتلال صحراء سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية وضمها إلى ما يسمى بـ (إسرائيل).. وقام عام 1982م بغزو لبنان وصولاً إلى مشارف العاصمة اللبنانية بيروت وانتهى ذلك الغزو باحتلال الجنوب اللبناني بشكل كامل حتى تم إجباره على الانسحاب تحت ضربات المقاومة اللبنانية عام 2000م..
ومع مرور الوقت تبين أن قرار التقسيم لم يكن سوى الحلقة الأولى من حلقات مؤامرة احتلال فلسطين وتكشفت الحلقات الأخرى حلقة بعد حلقة واتضح شيئاً فشيئاً أن الكيان الصهيوني المسمى (إسرائيل) لم يكن سوى رأس الحربة لاحتلال المنطقة ونهب ثرواتها من قبل القوى الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا التي كانت ولا زالت تقدم كل أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للكيان الصهيوني..
كما اتضح شيئاً فشيئاً أن القوى الاستعمارية تعمل جاهدة على أن يكون الكيان الصهيوني هو القوة العظمى في المنطقة عسكرياً واقتصادياً..
وفي هذا الإطار عملت القوى الاستعمارية على حياكة المؤامرات الهادفة إلى إضعاف جميع دول المنطقة واستخدمت عملاءها وأذنابها وأدواتها لتنفيذ تلك المؤامرات.. وقد استهدفت مؤامرات القوى الاستعمارية بشكل خاص الدول التي تقف في وجه الكيان الصهيوني وتعلن العداء له وتقدم الدعم بكل أشكاله لأبناء الشعب الفلسطيني في نضالهم وجهادهم ضد الاحتلال..
كما استهدفت تلك المؤامرات الدول التي كانت تحرز تقدماً على صعيد التنمية الاقتصادية، وتحقق إنجازات في بناء قدراتها العسكرية.. ومن بين الدول التي تعرضت للمؤامرة عليها على سبيل المثال الجزائر التي كانت في منتصف سبعينيات القرن الماضي على وشك الخروج من عنق الزجاجة والانتقال من مصاف الدول المتخلفة إلى مصاف الدول المتطورة، كما أنها واحدة من الدول التي عرفت بمواقفها المبدئية من القضية الفلسطينية فتم التآمر عليها من الداخل بواسطة أدوات الاستعمار وعملائه وأذنابه وإدخالها في دوامة الصراعات والعنف والفوضى لعدة سنوات وتدمير الكثير من مقدراتها لتعود إلى الوراء سنوات عديدة، وهاهي لا تزال تعاني من آثار ذلك حتى الآن..
وتعرضت السودان كذلك للمؤامرة عليها التي انتهت بتقسيمها بعد سنوات عديدة من الحرب الطاحنة التي أشعلتها القوى الاستعمارية عبر أدواتها الرخيصة داخل السودان وفي المنطقة وهي نفس الأدوات تقريباً التي تم استخدامها في تنفيذ المؤامرة ضد الجزائر..
وقد كشفت تطورات الأحداث وبالوثائق أن النظام السعودي قد قام خلال تلك الحرب بدعم حركة “جون قرائق” بالمال والسلاح بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية وهي الحركة التي كانت تحارب من أجل فصل جنوب السودان وهو ما وصلت إليه وحدث بالفعل بتواطؤ واضح من حركة “الإخوان المسلمين” وعلى رأسها الرئيس السوداني عمر البشير..
وظلت اليمن ومصر والعراق وليبيا وسوريا تتعرض هي الأخرى للمؤامرة عليها طوال العقود الماضية وشهدت كل دولة من هذه الدول العديد من التطورات في إطار حياكة المؤامرات ضدها مما لا يتسع المجال سرده إلا أن المؤامرة وصلت ذروتها في مطلع العام 2011م عندما ركبت حركة الإخوان المسلمين موجة الثورات الشعبية التي عُرفت باسم “الربيع العربي” في كل هذه الدول وتولت تمويلها وتقديم كل أشكال الدعم السياسي والإعلامي لها مملكة قرن الشيطان ومشيخة قطر بإيعاز وتوجيه مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية وبتنسيق كامل مع مخابراتها وتحت إشرافها..
ومن المفارقات العجيبة أن تقوم بتمويل ثورات ترفع شعارات الحرية والديمقراطية دولتان لا تعرفان الحرية ولا الديمقراطية ولا تعترفان بهما.. وهو ما يعني أن الشعارات التي تم رفعها لم تكن سوى عناوين كاذبة وزائفة للتغطية على الأهداف الحقيقية التي يأتي في مقدمتها تدمير هذه البلدان والقضاء على مقدراتها الاقتصادية والعسكرية وتمزيق نسيجها الاجتماعي وهو ما كشفت وتكشف عنه حتى الآن تطورات الأحداث على الأرض.
وبعد سنوات طويلة من الكذب والخداع والتضليل جاءت تطورات الأحداث خاصة في اليمن وسوريا لتسقط الأقنعة عن كثير من الوجوه وتبدد الكثير من ركام الزيف ولتؤكد مجدداً أن القضية الفلسطينية وجوهرها القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك كانت ولا زالت وستظل الترمومتر الذي يتم من خلاله قياس درجة الانتماء إلى الأمة وهو ما ظهر بوضوح من خلال الفتاوى التي صدرت من جانب بعض علماء الريال السعودي والريال القطري حول أولوية الجهاد في سوريا ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد وتأجيل الجهاد في فلسطين لتحرير المسجد الأقصى.. وكذا من خلال الدفع بالآلاف من المغرر بهم لقتال أبناء الشعبين اليمني والسوري وتدمير مقدرات البلدين وقيام الكيان الصهيوني بتقديم كل أشكال الدعم اللوجيستي والاستخباراتي للعصابات الإرهابية في سوريا واستقبال جرحاهم للعلاج في مستشفيات كيان الاحتلال، ومن خلال مشاركة الكيان الصهيوني بشكل مباشر في الحرب العدوانية الظالمة على اليمن ومجيء الولايات المتحدة الأمريكية بقواتها البرية والبحرية والجوية للعدوان على اليمن واحتلال أجزاء كثيرة من الأرض اليمنية..