تحليلات

سقوط ممالك النفط الخليجية في معركة اليمن

( سقوط ممالك النفط الخليجية في معركة اليمن )

ماريا بارنغتون *

قديماً كان العرب يطلقون على مواطني المملكة السعودية قبل ظهورها أهل نجد والحجاز ، وتم تسمية كافة الشعب باسم أسرة تحكمهم ، وبالنظر الى تاريخ صحراء العرب وهي المنطقة التي تعيش فيها دول الخليج النفطية ، والتي بدأت مسمياتهم مع بدايات ظهور النفط .

وهذه من المفارقات العجيبة أن تظهر هذه الدول مع ظهور النفط ويتوقع لها أن تزول بزوال النفط أيضاً ، وهذا الزوال بدأت إشاراته ودخولها مستنقع وفوضى الربيع العربي في معركة اليمن وبإرادة مليكها الذي يتسم بالغباء المفرط واختياره المرتبك المهزوز بحسابات مملوءة بالغرور والغطرسة النفطية .

فقد أعلن الملك سلمان آل سعود رسمياً بنفسه وهو ابن الملك المؤسس دخول الأسرة الحاكمة التي يصل عددها أفرادها الى أكثر من 7 آلاف أمير مراحل السقوط السريع ليصبح أخر ملك أضاع مملكة أبيه المؤسس ، فمراحل السقوط لهذا الحكم بدأ فعلياً عند أول قذيفة أطلقت من على طائراته نحو اليمن ، وفي عملية توصف في قوانين ولوائح ودساتير الدول والمنظمات وصف يطلق عليه الاعتداء أو العدوان الغبي ، مهما حاول البعض تزيينه بمساحيق تجميلية ليضاف عليه مشروعية العدوان أو مشروعية الاعتداء ، وهي سابقة خطيرة في أن يذهب ملك ومن خلفه ملوك ورؤساء بلغ عددهم عشره الى قتال وحرب دولة واحدة لمجرد نوايا أو تهيأت دون أن يستطيع أحد منهم مراجعته ووقف تهوره واندفاعه للهاوية ودفعهم جميعاً معه ، وقد يبدو لقارئ يقرأ التاريخ مستقبلاً أن تلك الدولة التي تم محاربتها تمتلك من الأساطيل المرعبة التي جعلت هذا الكم الكبير يحتشد لقتالها ، وهي الصدمة التي سوف يتفاجأ بها أي قارئ في المستقبل عن محدودية هذه الدولة التي تدعى اليمن.

فأن تذهب لحرب هذه الدولة وتقتل شعبها لمجرد أن لديك تهيؤ أو شعور بأن هناك نوايا وعدم شعورك بالطمأنينة من فئة في هذه الدولة ذات السيادة وهي لم تعتدي ولكن أعتدي عليها ، وأن تقود دولاً أخرى وتضعها في تحالف دون أن تلقي بالاً لأي مسئولية ومحاكمات جنائية دولية سوف تلاحق دول هذا الحلف ، وفق شريعة الغاب .

لم تسقط المبادئ والأعراف الدولية وإن بدأت متواطئة في هذا الوقت القصير الذي شارف على الانتهاء ، فهذا التواطؤ هو بالأصل تم تعمد حدوثه ، لتواجه هذه الأنظمة المصير الذي رسم لنهاية مملكة وممالك حكمت عقد من الزمن في معركة اليمن .

ونعتقد بأن على أهل نجد والحجاز البدء في رسم ملامح مستقبل وطنهم الجديد وتشكيل نظامهم القادم كان جمهورياً أو ملكياً هذا لا يعنينا كدول غربية .. فسوف يحترم إرادتهم واختيارهم العالم كشعوب ظلت تحت هيمنة وتسلط أسر بعقود تستنزف مواردهم وخيراتهم ويلقى إلى هذه الشعوب الفتات اليسير من بقايا فضلات طاولة الأمراء الذين يسيطرون على كافة ثروات الأرض ، وسيتم دعمهم كما تم دعم الشعوب الأخرى التي خرجت للتغيير في دول الشرق الأوسط.

قد يتبادر الى ذهن البعض أن هذا ضرب من الخيال .. ولكن من لا يقرأ الأحداث الحالية ويربطها منذ بداية المخطط لرسم شرق أوسط جديد انطلق من البيت الأبيض في بدايات الثمانيات ، واعتبر الفصل الأول في هذا المخطط هو منذ بدايات الحرب العراقية الإيرانية والتي تم تمويلها ودعمها من أموال وخزائن دول النفط الخليجية ، وأيضا معالجة تبعات هذه الحرب من نفس الخزائن ، وما حدث لهاتين الدولتين ، بداية بسقوط إيران تلاها مباشرة ولنقل في نفس الوقت دخول العراق مراحل السقوط التي امتدت لسنوات وعلى مراحل متتالية حتى أسقط فعلياً ، وأيضاً بتمويل وخزائن دول النفط الخليجية وبعدها سلمت العراق لإيران وشيعة العراق التي تحاربهم الآن في اليمن بدعوى وقف تمدد الشيعة ، لاحظ هنا هذا التناقض في الخطاب السياسي للتبرير الذي سنأتي عليه لاحقاً في مسببات معركة اليمن .

فقد جاءت بدايات الفصل الثاني التي حملت عناوينه ما يسمى الربيع العربي ونذكر هنا أيضاً أن التمويل من دول النفط الخليجية التي مولت حروب العراق ضد إيران .. وكما أسلفنا بأنهم وسلموا العراق لإيران وشيعة العراق ، فقط هم أدوات مالية تنفذ ما يملئ عليها من الحكام الفعليين القابعين في ردهات البيت الأبيض الذي سعى الى تشكيل هلال شيعي (إيران – العراق – سوريا – لبنان ) يقابله هلال سني ( ليبيا- مصر – السودان – اليمن ) وهو جوهر هذا الفصل في كتاب الفوضى الخلاقة وشرق أوسط جديد .

على أن يأتي الفصل الثالث ليكون من نصيب الدول التي تقع بين دول الهلال الشيعي والسني وهو ما يعرف بالوهابية (دول النفط الخليجية) وهذا الفصل تنبأ به الكثير من الخبراء والمحليين بأن دور دول الخليج قادم لا محالة ، فقط كانت المسألة هي مسألة الوقت المحدد للبدء في تنفيذ الفصل الثالث الخاص بالأسرة الحاكمة في السعودية وملوك وأمراء دول الخليج الأخرى.

وهنا قد يراهن البعض على ما سيحدث للاقتصاد العالمي نتيجة انهيار دول النفط الخليجية واستحالة تحقق هذا الفصل، وهنا سنذكرهم ماذا حدث للاقتصاد العالمي أثناء تنفيذ الفصل الأول والثاني ، فإيران دولة نفطية كبرى بالإضافة للعراق المخزون العربي وكذلك ليبيا النفطية التي تمتلك أنقى نفط في العالم .. لقد تم التعامل مع هذه الدول بعناية دقيقة من بداية سقوط أنظمة هذه الدول حتى النهاية التي مازال العالم يتابع تداعياتها حتى الوقت الراهن ، ونجح الاقتصاد العالمي في القفز من هذه الهوة .

وللتأكيد على الحقائق التاريخية السابقة ، ها هي الولايات المتحدة الأمريكية تبرم صفقة تفاجأ به حلفاء أمريكا الأساسيين وفي مقدمتهم إسرائيل ، وهذه الصفقة الإيرانية الأمريكية هي من أجل إعادة التوازن من جديد وتوزيع الأدوار في تنظيم دورة الاقتصاد العالمية .

إذا لا يصح أن يظل مخزون إيران والعراق في الهاوية مع البدء في إسقاط أنظمة الحكم الخليجية النفطية دون التحرك والتنبه من اهتزاز العالم اقتصادياً ، فازدهار الاقتصاد الإيراني والى جانبه ازدهار الاقتصاد العراقي الذي بدأ في وضع اللمسات الأخيرة من بسط نفوذه على كافة الأراضي العراقية هذه التطورات في الأحداث ليست اعتباطية أو من باب المصادفة.

وقد يقول قائل أيضاً إن أهداف الفصل الثاني لم تتحقق ، ولم تكتمل نهاية أحداثه ، فسيناريو الهلال السني لم يظهر أي قوة قد تبدو للعيان لتبدأ أحداث الفصل الثالث .

ولكن يتناسى القائل أن هناك بذور وثمرات هذا الهلال قد لا تكون بالضرورة على شكل أنظمة حاكمة كما هي مألوفة ، وتكفي فقط نظرة في الأشجار التي أثمرت في (ليبيا ومصر والسودان واليمن ) الهلال السني لتجد أن الصورة الجديدة لتنظيم القاعدة المبرر الذي تم استخدمه في إسقاط العراق .

هذه الأشجار والثمرات هي ما يسمى في الوقت الحالي (داعش) متواجد بقوة وفاعلية في هذه الدول دول الهلال السني ، ويمارس هذا التنظيم الجديد أنشطته ومهامه وهو في طور نموه الطبيعي المعروف ببطئه في التكوين الساعي لإسقاط هذه الأنظمة التي أنشئ بالأساس من أجلها ، وبنظرة متعمقة ستجد أن القاعدة سابقاً و داعش حالياً كانت ومازالت تعمل وفي أراض غير خليجية منذ النشأة المبكرة لهذه التنظيمات القديمة والحالية.

 

* كاتبة أمريكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى