استطلاعاتخاص الهويهعناوين مميزة

ثقافة التطبيل والتمجيد والتقديس, الشيء الوحيد الذي يُنسب للعرب في تأسيسه وتطويره ونشره للعالم

 

 

الشيء الوحيد الذي يُنسب للعرب في تأسيسه وتطويره ونشره للعالم

ثقافة التطبيل والتمجيد والتقديس

 

التملق والتقرب وإظهار الإعجاب والتغني بشخصية ما من أجل خلق صورة ذهنية لدى الرأي العام عن هذه الشخصية وإبعاد أي شبهات قد تظهر وتوقعه في شراك قفص الاتهام هو التطبيل والتقديس للشخصية في معناه الفصيح.

ولان الشعوب العربية منذ الحرب العالمية الثانية وربما قبلها بسنين لم تجد سوى تأسيس ثقافة التطبيل للحكام والزعماء العرب بل عملت أيضاً على تطوير هذا العلم الجديد ونشره لبقية دول العالم.. فقد استحقت الحياة عقودا من السنين تحت وطأة رغبات الشخص المقدس وظلت رقابها لعشرات السنين موطئا لبيادات عساكره وعسسه.

في العصر الحديث طور العرب هذا العلم واجتهدوا فيه وهو الشيء الوحيد الذي يُنسب للعرب فقد ابتعدوا – عقب التحرر من الاستعمار الأجنبي – عن الصناعة والزراعة وبقية العلوم الإنسانية واتجهوا بقوة نحو العمل على تطوير هذا العلم وتطبيقه في شتى مؤسسات وأنظمة الدول العربية، وكان لليمن الفضل في تطوير هذا العلم بعد أخذ مفرداته الأساسية والتقليدية من دول الخليج العربي وملوكها، ففي العام 1978م تم تأسيس أول مركز أبحاث لدراسة وتطوير التطبيل بقيادة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حيث كان أول مشاريعه الناجحة، وقد أوكلت مهمة التطبيل إلى السياسيين والمقربين من الرئيس الذين توزعوا على مختلف المناصب الحكومية والقبلية والسياسية.. وبعد حرب الانفصال انقسم هؤلاء السياسيين إلى قسمين الأول معارض للنظام والثاني مؤيد له إلا أن واجب الأول في التطبيل والتقديس استمر حتى أواخر العام 2006م ومع هذا التطور فقد اقتضت الحاجة إلى توظيف الأيادي والألسن الناطقة لخدمة هذا المجال وافتتحت القنوات وانتشرت الصحف واتسعت بشكل كبير مجالات التطبيل فلم تقتصر على شخص الرئيس فحسب بل تعدت ذلك إلى التطبيل للشخصيات المعارضة ورجال المال والأعمال والقادة العسكريين وزعماء الجماعات الدينية وغيرهم ممن عجزوا عن خدمة الوطن فاتجهوا لصناعة تاريخهم المزيف أصلاً.

وفي ربيع العام 2011م كانت ثقافة التطبيل والتمجيد قد وصلت ذروتها في الوطن العربي حيث استخدمت جميع الإمكانيات والوسائل المتاحة لممارسة هذه الثقافة، لكن احتكاك العرب بالغرب والدول المتقدمة صناعياً واقتصادياً وعلمياً واتساع طبقة المتعلمين والمتنورين من الشباب أدى إلى خلق حالة من الاستياء الشديد في أوساط المثقفين بشكل عام خاصة مع تردي الأوضاع المعيشية والسياسية والعلمية باستمرار وكل هذا أدى بدوره إلى خلق حالة من الثوران لبعض الشعوب العربية على أنظمتها الحاكمة فحدث ما حدث..

في اليمن كان شباب الثورة الأوائل من طلاب الجامعات يدركون تفاصيل الصورة النمطية المتكونة في أذهان السواد الأعظم من الشعب تجاه النظام وفي المقابل كانت هناك كمية هائلة من ألاعيب وخروقات النظام التي بدأت تتكشف له فاعتقد الشباب أنه أصبح من الممكن تغيير هذه الصورة ورسم صورة نمطية أخرى ليس للنظام القادم والحاكم الجديد وإنما لما يجب أن يكون عليه النظام الجديد وفق أسس ومبادئ صاغتها عقول نظيفة لم تلوث بنجاسة السياسة اليمنية السابقة، لكنهم تفاجأوا – بعد انضمام العديد من التكوينات السياسية المعارضة – مجازاً – والعسكريين والمدنيين المشاركين في السلطة – تفاجأوا بأن ثقافة التمجيد والتقديس بدأت تنمو من جديد.

عودة ثقافة التطبيل من جديد

يقول المواطن أحمد الجرموزي – تاجر أقمشة: التمجيد والتطبيل للحاكم يزيده غروراً ويصدق نفسه أنه الملهم، ومن هنا تبدأ المشاكل، اللي حوله والجماهير (بالروح والدم) يقول: أنا رجل خارق، ولهذا يصيبه الغرور ونحن يصيبنا الندم وفي الأخير تكون نهايته كنهاية الزعماء الذين تساقطوا في الربيع العربي، لا للتمجيد.. لا للتطبيل نعم لقول الحقيقة، أنا ملأت واجهة محلي باللواصق والدعاية الانتخابية لعبدربه منصور لكني سأزيلها الليلة لأن الانتخابات قد انتهت، والآن لا داعي للصور والتفاخر وكثر المديح حتى وجود الصور في المكاتب الحكومية يفترض إزالتها لأن هذا هو من قبيل التمجيد.. كنا نصطف طوابير من إب إلى تعز أثناء مرور الموكب الرنان ونحن نردد بالروح والدم نفديك…. والروح والدم لا يوهبان  إلا لله تعالى والدفاع عن الشرف والعرض والأرض.. يكفينا تمجيد.. علينا أن نشعرهم بالمسؤولية الحقيقية تجاهنا.

اما المواطن بكيل حسين القادري – مقوت – محافظة المحويت فيكتفي بالقول: بطلوا طبال.. لا نريد تطبيل ولا تمجيد لأي واحد.

موسى محمد صالح يتفق مع السابقين حيث يقول: لا نريد تطبيلاً للمسؤولين أو إبراز صور.. المهم أن المسؤول أو الرئيس يخدم الوطن والشعب.. لا للصور ولا للفخامة والألقاب المبالغ فيها هم خُدام للشعب، كما لا نريد ثقافة رفع الصور في المكاتب الحكومية كان علي عبدالله صالح يحدثنا دائماً عن الإمام وهو أكبر إمام حتى سقط وصوره كانت في كل مكتب وفي كل شارع والرئيس الجديد لسنا بحاجة تعليق صوره.. هذا عمله وهو موظف لدى المواطن.

محمد عبدالغفور المازني – صيدلي من جانبه يعود بنا الى الايام الخوالي حيث يقول: التطبيق لا التطبيل.. شعار ذكره المازني قصد فيه ضرورة العمل والتطبيق بدلاً من التطبيل وثقافة التمجيد سواء لشخص أو لفئة، كان الوضع السابق عبارة عن تمجيد وتحميد بمنجزات القائد (الغير موجودة)، الآن نريد محو هذه الثقافة التي تستهين بالمواطنين.

أنا كمواطن لا أريد للصور أن تكون مثبتة في المكاتب الحكومية أريد أن يثبت ويطبق القانون وتفتح المكاتب أمام المواطنين.

ولي رسالة للصحف: لا تمجدوا أشخاصاً.. مجدوا الوطن.. مجدوا الشعب مجدوا التاريخ.. اليمن أعلى من المناصب وأعلى من القادة.

فيما اعتبر الزميل محمد أحمد الوريث – إعلامي – جامعة صنعاء ما يجري في هذا الشان ليس الا منهجا متبعا لصناعة الطغاة على طريقة تجار الشنطة في تعليم اللغات اذ يقدم الزميل الوريث طرفة صغيرة هي: كيف تصنع طاغية في ثلاثة أيام: أولاً: إبدأ بالتطبيل له في وسائلك وصحفك وقنواتك، ثانياً: ابتدئ بتمجيد الزعيم القادم ووصفه بالزعيم الملهم الذي لا يخطئ، ثالثاً: ابدأ بتكريس ثقافة تقديس الشخص، رابعاً: لا تنتقده حتى وإن  أخطأ، خامساً: ابدأ برفع صوره على حساب الوطن.

أما استعراض الصور في المكاتب الحكومية فهي سياسة تمجيد وتقديس الأشخاص، ولا يوجد شخص واحد في الوطن يستحق التمجيد أو التقديس ومهما قدم أي شخص لهذا الوطن فذلك ليس إلا جزءاً يسيراً من واجبه تجاه بلده.

رشيد أمين الأغبري – بائع شاي – ساحة التغيير من جهته يقول: بالنسبة لثقافة التطبيل في مجتمعنا فهي غير مستحبة وغير مقبولة، كنا في الماضي نمجد ونعظم كبار المسؤولين وأبرز الشخصيات سواء كانت قبلية أو عسكرية أو دينية حتى اغتروا بأنفسهم وشافوا نفوسهم فوق الجميع ولا يحاسبهم أحد، الآن لا نريد لهذا أن يتكرر من أي شخص أو فئة أو جهة لأي شخصية كانت.

أما الصحف فهي رأس الدبور هي التي تخدع المواطنين وهذا تصرف خاطئ عليها أن تحترم مسؤوليتها.

ويتفق الزميل عبدالعزيز منصور – إعلامي – كلية الإعلام مع الاعلامي الوريث إذ يرى ان هذه الثقافة بداية صناعة الأصنام التي تبدأ بالتطبيل وهذا تقريباً سيكون الخطأ الاستراتيجي التاريخي الذي ستندم عليه كل تلك الوسائل في المستقبل وما خرجت الثورة إلا نتاجاً للتطبيل الذي حدث في المرحلة السابقة وصناعة الأصنام من أشخاص كانوا في الماضي ينعتونهم بالأراجيز وبأنهم مجرد شماعات معلقة لا أكثر.

من جانبه الكاتب الصحفي/ عبدالله بن عامر يقول يجب أن نعي دورنا كمواطنين حتى يدرك المسؤولون بأنهم ليسوا سوى خداماً للشعب وهم في مناصبهم عليهم واجبات يجب أن ينفذوها على أكمل وجه وإلا فلشعب كلمته فيهم.

ويضيف ابن عامر: أنا ضد ثقافة تمجيد شخص الرئيس لأن الرئيس لا بد وأن يكون موظفاً وحسب العقد بيننا وبينه فإنه يلتزم بواجبات يجب أن لا يخالفها ونحن علينا واجبات يجب أن نلتزم بها، ولهذا فإن الربيع العربي قضى على ثقافة التمجيد، ونحن نتذكر كيف كان المطبلون يهللون ويكبرون باسم علي صالح حتى وصفوه بأوصاف إلهية، ولذا فنحن ننبه كل المثقفين والإعلاميين بأن عليهم عدم الاتجاه إلى ذلك لأنهم سيكونون حينها قد خسروا أنفسهم وفقدوا شعبيتهم.

بدورنا نتساءل الى متى سيظل مجتمعنا مطبلا لكل من اعتلى الكرسي او لخدمه وحشمه؟ ومتى سيأتي اليوم الذي تعي فيه الشعوب العربية ان المسؤولية تكليف بل ان المسؤول لا يزيد عن كونه اجيرا عندها يمارس عملا ما وليس مالكا لها؟

ام ان ثورات الربيع العربي ستغادرنا كما غادرتنا ثورات الستتينات والسبعينات؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى