استطلاعاتخاص الهويهشريط الاخبارعناوين مميزة

الحرية في رؤية الدولة المدنية والدولة الدينية والعلمانية اتفاق ام تناقض؟

الحرية في رؤية الدولة المدنية والدولة الدينية والعلمانية اتفاق ام تناقض؟

لا تزال قضية الحرية والمدنية مسيطرة على حوارات ونقاشات المفكرين والمنظرين على مختلف الاطر والتوجهات الدينية والسياسية ايضا .. مصطلحات المدنية والحرية والعلمانية شهدت عاما عربيا حافلا بالضجيج الشبابي والزحمة السياسية والدينية مرة تتجه مطالبة بتجسيدها لاحقاق العدالة وتفعيل القوانين واخرى تتهمها بانها خارجة عن الاعراف والقيود الدينية.. هذه القضية كانت ميدان استطلاعنا لهذا العدد وقد طرحنا محاور الاستطلاع هذا على كلٍ من: الشيخ محمد الحزمي – بصفته الدينية التي تمثل أهل السنة وبصفته السياسية (التجمع اليمني للإصلاح) والدكتور/ المرتضى بن زيد المحطوري – بصفته الدينية التي تمثل مذهب الزيدية والدكتور/ عدنان المقطري – أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء والناشط السياسي/ محمد الصبري والناشط السياسي/ ياسر المخلافي – أحد القيادات الثورية الشابة بساحة التغييرلمعرفة وجهات النظر المختلفة التي قد تكون بعضا من رؤى تياراتهم سواء الدينية او السياسية او الاكاديمية واليكم حصيلة ما خرجنا به:

استطلاع/ يحي الشرفي

العلاقة بين المدنية والتشريع اتفاق مبادئ واختلاف شخصيات

يقول الحزمي: “إن الدولة الإسلامية هي دولة مدنية (مؤسسات) والتاريخ الإسلامي يشهد بذلك، ودولة حرية شعارها – عندنا – (الحرية للشعب والسيادة للشرع)”.. الجميل أن د. المحطوري يتفق مع الحزمي حيث استغرب من مصطلح المدنية الحديثة والتشريع الإسلامي فقال: “الأصل أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان فالمدنية الحديثة هي التشريع والتشريع هو المدنية الحديثة”.

لكن هل حديث الحزمي عن سيادة الشرع ينطبق على اليمن؟ لأن الشرع قد يحتمل أكثر من رأي فهناك تعدد في المذاهب والتيارات الدينية بل إن الأمر قد وصل إلى الاختلاف داخل تيار ديني واحد ولعل أبرز مثال على ذلك الاختلاف الذي وقع بين شخصيات في الإصلاح أثناء مناقشة قانون زواج الصغيرات “الحزمي والقاضي”.

فيما يخص التيارات الدينية فيما بينها يرى الحزمي بأن الدستور اليمني يمتاز بأن أحكامه وقوانينه مستقاة من الشريعة الإسلامية المأخوذة أصلاً من عدة مذاهب دينية.

الصبري والمخلافي – نظراً للثقافة السياسية المتقاربة – يتفقان بأن هناك قواسم مشتركة بين نظم الدولة المدنية الحديثة ونظام التشريع الإسلامي تتمثل في الأطر العامة والمبادئ الأساسية التي تنظم حياة الشعوب، هذا يعني أن الدولة المدنية والتشريع الإسلامي يضمنان للمواطن – أي مواطن – “العدالة، المساواة، الحقوق، الحريات” وهو ما يناديان به التياران الدينيان السابقان بل إن المخلافي اتفق مع طرح الحزمي والمحطوري بالقول: “نحن الشباب لا نريد دولة مدنية لا تكون مرجعيتها الشريعة الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان”.

يضيف الحزمي: “نريد دولة مدنية بعيدة عن العسكر وبعيدة عن الدولة المدنية التي قامت على أنقاض الدولة الدينية – الدولة الكنسية -، من الظلم أن نساوي دولة الإسلام بدولة الكنيسة فدولة الإسلام دولة عدالة وحرية وتنمية اقتصادية وإبداع دنيوي يقود إلى سعادة الدنيا والآخرة”.

يبدو أن ما يريد الحزمي إيضاحه هو ألا يُخيل لأحد بأن حالنا سيكون كحال عصور الظلام التي عاشت أوروبا تحت سيادة الكنيسة.

اما الرأي الأكاديمي ويمثله الدكتور/ المقطري فيقول: “التشريع في الدولة المدنية الحديثة يتمثل في قوانين وضعية تطورت مع تعاقب المراحل والدول والتجارب المكتسبة، في حين أن التشريع الإسلامي مصدره سماوي من تعاليم إلهية ناشئ عن قواعد دينية وفقهية تتصف بأنها صالحة لكل زمان ومكان”.

الحرية في الدولة المدنية

د. المحطوري: “في التمثيل الديني لدى المتزمتين احتكار للدين وتحجر في التفكير حتى وصلوا إلى التكفير لمن يخالف حتى في جزئية فقهية، فهؤلاء يزعمون أن الحرية الدينية تعني فرض الهيمنة والكهنوت وحصر الإسلام أحياناً في اللحية والمسواك والقميص القصير والطقوس المعينة وإتعاب المسلمين، وبث الفرقة والشتات، وتحريم ما أحل الله، فصوت المرأة حرام ووجهها حرام، والتلفاز – عند بعضهم – حرام، وأيضاً منع إدخال الكتب إلى دولة ما، أو تحريم قراءة كتاب ما، أو ما شابه ذلك، فإذا كانت هذه هي الحرية الدينية فإني أرى أن الإسلام بعيد وبريء من هذا، ولا يجوز أن نلصق بالإسلام بأنه دولة دينية بهذا المفهوم”.

وفي المقابل يقول الحزمي في هذا الشأن: “لا نستطيع أن نضبط الحرية في إطار موحد لكن نحن ننظر إليها من منظور شرعي وهي أن الحرية وفق الشرع الإسلامي مكفولة لكل فرد تحت سقف الشرع والقيم النبيلة”.

ومن الناحية الأخرى يضيف المحطوري: “إذا أريد بالحرية زواج المسلمات بغير المسلمين، ونزول البحر بالمايوه، وشرب الخمر وإباحة الرقص شبه عرايا، والربا وما شابه ذلك، فهذه ليست حرية بقدر ما هي انفلات وإباحية”.

الحزمي: “لسنا بدعاً من الآخرين، فلا يوجد في العالم حرية مطلقة، لأن الحرية المطلقة مفسدة مطلقة”.

المخلافي يقول بأن الثورات التي قامت في الوطن العربي كانت من أجل نيل الحرية وهي حرية عامة، حرية القول والرأي والدين والتدين والتعبير وحرية واسعة النطاق، لكن بما هو مقبول – لا ضرر ولا ضرار – ولا مجال في الخروج عن شريعة الدين الإسلامي الحنيف.

في حين يضيف الصبري أن الحرية في الدولة المدنية أن الشعب يحكم نفسه بنفسه وفضاء الحرية فيها مُتاح، وفي الدولة المدنية الدينية تعني أن الشعب يحكم نفسه بنفسه وفقاً لضوابط نص عليها الشرع فإذاً فالدولة المدنية الإسلامية مصدر قوانينها.

أما د. المقطري فيوضح أن الحرية في الدولة المدنية والدولة الدينية الإسلامية تظل واحدة باعتبار الناس قد ولدوا أحراراً، وعليها من القيود التي تحكمها، لكن تختلف في مصدر القوانين المنظمة لها في كلا الدولتين حيث أنها في الدولة الإسلامية الأخيرة تستمد منطلقاتها من تعاليم دينية كما أن القيود التي تنظمها تنبع أيضاً وفقاً لذلك من الوازع الديني لدى الفرد.

المدنية والعلمانية

وفيما يخص العلمانية يرى الحزمي أن المدنية قد تكون علمانية ولا تكون العلمانية مدنية مستشهداً بالاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية بأنها كانت علمانية وليست مدنية وأن العلمانية قد تكون جزءاً من المدنية، ولذلك تتعد مشارب الناس في مطالبهم بالدولة المدنية وفق مرجعيتهم الفكرية والثقافية.

أما د. المحطوري فيقول: “يبدو لي أن الإسلام مدني علماني لأن النبي (ص) كتب فور وصوله إلى المدينة وثيقة ساوى فيها بين المسلمين واليهود وغيرهم في حرية العيش بكرامة وضمن لغير المسلمين دينهم”.

ويقول الحزمي: “نحن المسلمون لا تصلح لنا المدنية العلمانية الغربية فنحن أمة ذات هوية إسلامية والشعوب المسلمة لا تقبل لأي هوية أن تحتل هويتها”.

وفي المقابل يعقب د. المحطوري: “إذا كانت العلمانية هي احترام حرية الأديان فقد احترمها الإسلام بل حفظها بل كفلها”.

المخلافي يتفق تماماً مع طرح المحطوري فيما سبق في حين يرى الصبري بأن المدنية معنى أوسع من العلمانية بمعنى أن المدنية نظام حكم لا يتقيد بدين أو عرف أو مذهب يمكن إقامته بغض النظر عن المصادر التي تستقي منها دساتيرها شريطة ألا تتعارض مع الشرائع والأعراف الدولية.

أما الدكتور/ المقطري فيوضح أن: “الدولة المدنية تعني مواطنة ومساواة أمام القانون ووجود مؤسسات مدنية كالأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وتجاوز للانتماءات الضيقة ويتراجع فيها دور العصبية والمناطقية والمذهبية، يتمتع فيها جميع المواطنين بنفس الحقوق والواجبات أما العلمانية فهي دولة مدنية لكن يتم فيها تنحية البعد الديني وحصره في نطاق الحرية الشخصية”.

اليمن.. إلى أين؟

تشاءم المحطوري من وضع اليمن الحالي ووضعه المستقبلي فقال: اليمن الآن كالعصيد في كوز لا ندري إلى أين تسير فإن ذهبت إلى المتزمتين وأشباه طالبان من أي مذهب كانوا فهي كارثة، وإن ذهبت إلى الاشتراكية البائدة فذلك سير بائس، وإن ذهبت  إلى الإباحيين – لا سمح الله فذلك انتحار.

أما الحزمي فقد قال: “إن الثورات العربية صعدت بالإسلاميين إلى الحكم فشعب الإيمان والحكمة من المستحيل أن يقبل باستبدال شريعة الإسلام بشريعة أخرى ومن وسوس له شيطانه بذلك فعليه أن يقرأ الواقع ويستسلم له ولا يضرب رأسه بصخرة الحق، والواقع يقول أننا شعب مسلم لا يمكن للربيع العربي أن يأتي بالإسلام إلى دولة ويخرجنا نحن من الإسلام، ولن يسكت الشعب اليمني على من يفسد دينه وسيستخدم كل السبل المشروعة لإسقاط من تلبسه الشيطان بمثل تلك الأفكار.

لم تدم طويلاً النظرة التشاؤمية للمحطوري فتمنى في ختام حديثه أن تسير اليمن  إلى دولة الرسول التي أسسها في المدينة واستمتع فيها المسلم بدينه وحريته وكرامته كما استمتع غيرهم بذلك، آملاً في الله أن يصل عقلاء اليمن إلى قناعة بأن اليمن تسع الجميع وأن نحترم القانون الموافق لشرع الله.

أما الصبري فيرى أن تركيبة البلاد القبلية والاجتماعية وكذا وجود أقطاب قوى دينية تتخذ من الدين وسيلة لتحقيق مآربها السياسية والشخصية وتسعى لتكريس هذا الواقع المفعم بالصراع والاختلافات لأن قيام الدولة المدنية الحديثة في اليمن يعني انتهاء مشاريع هذه القوى والأقطاب بالرغم من ذلك فإن الأمل يظل قائماً وإرادة الثوار كفيلة بأن تقود اليمن إلى مربع المدنية والتحضر.

في حين اتفق المخلافي في هذا الجانب مع الحزمي حيث قال: “مسير اليمن إن شاء الله إلى دولة مدنية حرة للجميع فبينما اتجهت الدولة في الوطن العربي إلى السلطة الإسلامية في وقت كان فيه الإسلاميون معارضون للأنظمة لكن في اليمن كانت المعارضة شريكة النظام باستثناء الفترة الأخيرة من مرحلة الحكم وهذا ما سيسهل الوصول إلى الدولة المدنية”.

الضغوط الخارجية وتأثيرها على الداخل اليمني

يؤكد الحزمي بأنه إذا أقيم العدل وانتهت المظالم فإنه وبموجب هذا الدين لم يعد للمخاوف من أي ضغوط خارجية مكانة في قلوب الناس.

ويعقب الصبري بالقول: “لن يسمح الشباب لأي وصاية أو ضغوطات أياً كانت أن تعرقل مسار ثورتهم بالرغم من أن هناك صراعات وخلافات تحاول بعض القوى الثورية وبقايا النظام استثمارها لتعطيل فاعلية المد الثوري وذلك يتم برعاية أجنبية”.

أما المخلافي فيقول: “تجلت الضغوط الخارجية بوضوح في هذه المرحلة التي تمر بها اليمن وهذا مُلاحظ من خلال التدخلات السعودية والأميركية وكذلك النعرات الطائفية والقلاقل وذلك من خلال التدخل السافر من إيران التي تريد إشعال الفتن الطائفية، وأخيراً أقول اليمن ستكون كيفما أردناها فلنجعلها دولة للجميع”.

ويرى الدكتور/ المقطري أن اليمن دولة صغرى وتقع ضمن أهداف ومصالح الدول الكبرى خاصة أن موقعها يغري تلك الدول بالتدخل أو طرح رؤاها وتصوراتها في صياغة مستقبل الدولة في اليمن في المرحلة القادمة، أما قضية النعرات الطائفية والمناطقية من الممكن ضبطها والعمل على الحد منها، طالما استطاع وتنبه لها اليمنيون وأمكنهم محاصرتها في حدود ضيقة، ودون السماح للغير في توظيفها في إطار صراعاتهم الإقليمية والدولية.

حصيلة..

ما وصلنا غليه أنه ليس هناك أي حزب أو تنظيم سياسي أو جماعة دينية منزهة وغير موظفة لصالح طرف خارجي فالدعم يصل من كل مكان مقابل تحقيق مصالح ومآرب لأطراف خارجية تتصارع فيما بينها وتريد اليمن ساحة لتصفية حساباتها وإثبات الأقوى..

والخطر المحدق بالبلاد أنه إذا لم يتم الوقوف على القرار السيادي والسياسي للبلاد واتخاذه من الداخل وفقاً للمصلحة العامة فإن ذلك سيولد الذريعة لخلق الفتنة.

مع العلم أن نيل سيادة البلاد لن تأتي إلا إذا قدمت بعض الأطراف السياسية المعنية التنازلات واقتنعت بالنزول عند رغبة أي فئة من فئات الشعب أياً كان توجهها السياسي أو الديني.

إن بلوغ الدولة المدنية الحديثة التي تستمد شريعتها وقوانينها من الدين الإسلامي الحنيف لن يكون بموافقة الدول الإقليمية والغربية ولن يكون بمباركة الآيات بل بإخلاص النوايا والاقتناع بأن السلطة وإدارة البلاد لا تنتزع بل توهب ومن يهبها هو الشعب وليس السفراء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى