مساحات رأي

بنيتَ مسجداً للناس كي يعبدوا الله فيه أم كي يعبدوكَ أنتَ؟!

نبيل سبيع

download (4)

المفاجأة ليست أن هادي قرر انتزاع جامع الصالح من قبضة صالح ونقله الى وزارة الأوقاف، بل أن صالح احتفظ به حتى الآن ويريد الاحتفاظ به أكثر.
والسؤال ليس: لماذا ينتزع هادي الجامع من صالح؟ بل: لماذا يريد صالح الاحتفاظ به ويرفض تسليمه لهادي ووزارة الأوقاف؟
لأن اسمه “جامع الصالح”؟
لأنه من بناه؟
لأنه حقه؟

حتى وإن كان قد بناه من حر ماله، وحتى إن كان قد بناه حجراً حجراً بنفسه، وحتى إن كان هو من يتكفل الآن بتكاليفه التشغيلية، فإن هذا كله لا يمنحه أبداً الحق في فرض سيطرته عليه بأي شكل من الأشكال، لماذا؟
لأن من يبني مسجداً لا يمتلكه، هذا أولاً.

تخيلوا رجلاً صالحاً بنى مسجدْ: اشترى أرضاً من حر ماله، اشترى مواد البناء وتكفل بتكاليف عملية البناء كلها من حر ماله أيضاً. ثم بعد أن أكمل البناء: سمى المسجد باسمه، اختار إماماً يخطب باسمه وبحسب أجندته السياسية، شكل إدارة تابعة له، ووضع حراساً للمسجد يحملون صوره على خزنات البنادق!
بنيتَ مسجداً للناس كي يعبدوا الله فيه أم كي يعبدوكَ أنتَ؟!
ماذا يمكننا أن نقول له غير ذلك؟

فيما يتعلق بقضية جامع الصالح، علي عبد الله صالح أعْوَج من حيث المبدأ، والمؤتمريون وكل من يؤيده في “عواجته” هذه أعْوَج منه:
ليس لديه حجة واحدة تمنحه الحق في إبقاء سيطرته على المسجد بينما يمتلك هادي كل الأسباب والحجج الكافية لإسناد قراره. فبالإضافة الى أنه لا يحق له امتلاك المسجد حتى وإن كان قد بناه من حر ماله، علينا أن نتذكر أن وزارة الأوقاف هي من تتكفل بدفع 24 مليون ريال كنفقات تشغيلية للمسجد والقائمين عليه، وهذا سبب ثانٍ يجعل قرار هادي بنقل إدارة المسجد الى وزارة الأوقاف قراراً في محله.

وحتى لو لم تكن وزارة الأوقاف هي التي تتكفل بدفع نفقات المسجد، فإنها تبقى الجهة الرسمية الوحيدة المخولة بالإشراف على المساجد. وهذا سبب ثالث يجعل من قرار هادي في محله.

انسوا كل ذلك، وخذوا هذه فقط: حتى لو لم يكن لدى هادي أي من الأسباب والحجج السالفة الذكر، فإن هناك سبباً واحداً وكافياً جداً لكي يجعل قراره هذا قراراً صائباً وفي محله، ألا وهو: موقع المسجد. إنه يقع في محيط دار الرئاسة، بل إنه جزء لا يتجزأ من محيط دار الرئاسة.

لا يمكنني فهم غضب المؤتمريين وموقفهم المتعصب والمتشنج مع زعيمهم. دعونا من المواقف والاصطفافات السياسية، دعونا من التشنج والتعصب السياسي، وانظروا الى القضية ببعض التجرد وبالقليل جداً من احترام العقل والمنطق: بأي حق احتفظ صالح بالجامع حتى الآن وبأي حق يريد الاحتفاظ به أكثر؟

لا يمكنني أيضاً فهم لماذا اضطر المدافعون الرسميون وغير الرسميين عن قرار هادي الى البحث عن مبررات للقرار من قبيل: أن وزارة الأوقاف هي من تدفع نفقات المسجد، أو أن صالح يستخدم المسجد لأهداف “انقلابية”! لا يحتاج القرار لأي من هذه المبررات حتى يصبح مفهوماً وفي محله طالما أن الجامع يقع في المحيط الرئاسي ويعد جزءاً لا يتجزأ منه. فحتى لو لم يقرر هادي نقله الى تحت إشراف وزارة الأوقاف، وقرر نقله الى تحت إشراف الرئاسة أو إشرافه هو بعبارة أخرى، فإنه بذلك لن يخطئ.

أخطأ الرئيس هادي لاشك حين وجه حرسه الرئاسي باقتحام قناة “اليمن اليوم” وإغلاقها بعد مصادر أجهزة ووحدات البث والإنتاج الخاصة بها، ولكنه لم يخطئ أبداً حين وجهه بانتزاع الجامع من قبضة صالح ونقله الى يد الدولة ووزارة الأوقاف. لقد تصرف في محيطه الرئاسي، وقد كان تصرفه هذا في محله.

وإذا كان هادي قد أخطأ في تعامله مع قضية جامع الصالح، فخطؤه أنه ترك الجامع في قبضة صالح حتى الآن. ولاشك أن خطأه سيكون أكبر إن تراجع عن قراره وخطوته الأخيرة تحت أي ظرف كان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى