مساحات رأي

التغيير الذي ينشده اليمنيون

التغيير الذي ينشده اليمنيون

بقلم : أحمد أمين المساوى

اندلعت الثورة اليمنية كنتاج طبيعي للاحتقانات الداخلية المتراكمة على مدى ثلاثة عقود من الحكم الشمولي القائم على الثقافة القبلية المتخلفة التي ترى في الحكم غنيمة وامتيازات خاصة لا يقبل مبدأ التوزيع ولا مجال فيه للشراكة إلا من باب التكتيك المرحلي المفروض بحكم الظروف والمتغيرات ولم تفلح حقبة التعددية السياسية في تغيير مفاهيم نظام صالح حول السلطة والحكم ودلالات المواطنة المتساوية بمعناها الواسع وظل الحاكم مأسورا لثقافة الإقصاء والتهميش وإلغاء الآخر معتمدا في بقائه على ركيزتين أساسيتين تتمثل في شراء الولاءات القبلية وبناء التحالفات السياسية الظرفية من جهة وافتعال الأزمات وإشعال الحروب الداخلية من جهة أخرى بهدف التخلص من الخصوم والمناوئين وإبقاء اليمن رهينة سلسلة من بؤر التوترات والصراعات على امتداد الوطن.
وفي ظل التعددية السياسية نجح نظام صالح في إفراغ الأدوات والمؤسسات الديمقراطية من مضامينها عبر تدخلات جراحية تسببت مع مرور الوقت في تكييف تلك الأدوات والمؤسسات لإعادة إنتاج ذات النظام الحاكم والتحكم في مستوى تمثيل باقي أطراف العمل السياسي بحيث لا يتم حرمانها ولا يسمح لها بتجاوز الهامش المخصص لها وفي ظل هذا التشويه استطاع صالح الانتقال من الشراكة الحقيقية في السلطة مع الحزب الاشتراكي شريك الوحدة الى التحالف التكتيكي مع الإصلاح شريك حرب صيف 1994م التي أخرجت الاشتراكي من السلطة وتم تقاسم غنيمة الحرب مرورا بالانفراد بالسلطة في ظل الأغلبية المريحة التي أعقبت انتخابات 1997م وأخيرا احتكار السلطة في ظل الأغلبية الكاسحة عقب انتخابات 2003م وخلال هذه المراحل لاسيما بعد حرب صيف 1994م اقتصرت مهمة باقي أطراف العمل السياسي على منح صالح ونظامه شرعية الحكم والقيام بدور الأدوات الديكورية في تزيين سلطة صالح المستمدة شرعيتها من منهجية ديمقراطية مشوههة.
على امتداد تلك الحقبة الزمنية ظلت المؤسسة العسكرية والقبلية هي الطرف المحتكر للسلطة والثروة والمستأثر الأوحد بمقدرات الوطن ومصير الأمة اليمنية واقتضت مصلحة هذه القوى التقليدية القيام بمهمة مزدوجة وتوزيع الدور السياسي فيما بينها على السلطة والمعارضة بهدف إحكام السيطرة على مقاليد الحكم والحيلولة دون خروج السلطة من يدها وأثبتت الأحداث إن اكبر الأحزاب السياسية في السلطة والمعارضة باتت أدوات طيعة بيد زعيمي المؤسسة العسكرية والقبلية بدلا من أن تصبح الأحزاب السياسية هي اللاعب الحقيقي المسيطر على القوى التقليدية وعجزت التجربة الديمقراطية على مدى عقدين من الزمن في تصحيح هذا الوضع المقلوب الذي لعب دورا فاعلا في تشويه الأدوات والمؤسسات الديمقراطية وإفراغها من مضامينها الحقيقية مخلفا وراءه خيبة أمل واسعة بجدوى العملية الديمقراطية التي تبدلت مهمتها رأسا على عقب وتحول التنافس السياسي على السلطة بهدف البناء والتنمية وتحقيق رفاهية المواطن الى صراع من أجل الاستئثار بالسلطة والثروة خدمة للمصالح الحزبية الضيقة وكان المواطن المكبل بتكاليف المتطلبات الأساسية للحياة الغائب المشترك عن أولويات الأحزاب في السلطة والمعارضة إلا من مساحة هامشية تفرضها المعارك الانتخابية ومتطلبات حملات التشهير المتبادلة. وبقي المواطن اليمني المنتهكة حقوقه بصلف لا حد له حائط المبكى والضحية التي تجلد ليل نهار وتتخذ مطية للوصول الى السلطة وما الحروب الستة التي شنت على أبناء صعدة إلا أبرز مظاهر الاستبداد ونزوات النظام الحاكم والقوى الموالية له في الاستعباد لتمثل شرارة الثورة الأولى والفعلية في اليمن لمواجهة القوى الغير الشرعية التي كانت تمثل أداة لقوى الاستكبار والطغيان العالمية .
ومع هبوب رياح التغيير على المنطقة كان الداخل اليمني مهيأ لانفجار الثورة التي تصدرها الشباب اليمني التواق الى حياة كريمة ومستقرة ومستقبل مشرق بعيدا عن تجار الحروب والأزمات وخرج الشعب مطالبا برحيل صالح ورموز حكمه ومعهم ثقافة الإقصاء والتهميش وإلغاء الآخر التي حكموا بها البلاد ردحا من الزمن والتأسيس لمرحلة جديدة تتجسد فيها قيم الحرية والعدالة والعيش الكريم والمواطنة المتساوية تحت سقف الدولة المدنية الحديثة التي تحترم الإنسان وتضعه في صدارة الأولويات وقدم اليمنيون في سبيل ذلك قوافل من الشهداء وكان أنصار الله والحراك الجنوبي في طليعة القوى الوطنية الحية التي أعلنت انضمامها للثورة ومهدت لها منذ وقت مبكر وناضلت في ميادينها مؤمنة بقدسية الثورة وعدالة مطالبها وحتمية النهاية المشرقة وان الثورة لا تنتصر بالمبادرات السياسية وأنصاف الحلول ولا بإعفاء الأيادي الملطخة بدماء اليمنيين من المحاكمة العاجلة والقصاص العادل مهما كانت المبررات وان مثل هذا الحصانة المنتهكة لكل قيم الإنسانية والشرائع السماوية تمثل تحديا صارخا لأسر الشهداء والجرحى وانتقاصا مُهينا بحق الصامدين في ميادين الثورة حتى تحقيق الانتصار الكامل بل أنها تمثل حرفا خطيرا لمسار الثورة وإذعانا ذليلا لإملاءات القوى الخارجية ترفضه قيم الثورة وأخلاق الثوار ووصايا الشهداء الأبرار تلك القوى الخارجية التي لا تريد خيرا لليمنيين وتخشى من اكتمال فجر هذه الثورة العظيمة ” يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ”
وعليه فأننا نتطلع الى وضع انتقالي تديره حكومة إنقاذ وطني تكنوقراط تمثل كل الشعب اليمني بمختلف فئاته وتهيئ لانتقال يحقق دولة المواطنة المتساوية والعدالة ورفع المظلوميات وتعيد هيكلة الجيش الوطني بعقيدة وطنية خالصة وبمعايير عسكرية مهنية بحته وتحرر من كافة أشكال الهيمنة والاستغلال والعبث العصبوي والتواطؤ والتفريط بالسيادة اليمنية للوطن أرضه وسماه وبما يجعله قوة حقيقية فاعله في حماية حقوق ومكتسبات وسيادة كل أبناء الشعب اليمني…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى