مساحات رأي

مجرد ظـــــــــــــــــــن ” تعطيل جهاز العدالة هل هو مقصود؟”

بقلم المحامي توفيق الشعبي

بات هاجسي يؤرقني من شدة التفكير في دعوات الاضراب التي اقدم عليها زملاؤنا من موظفي المحاكم والنيابات ولاسيما في مثل هذا التوقيت إذ لم يقم القضاة بتعليق إضرابهم الا وشرع الزملاء بعقد اجتماع موسع للهيئات الادارية لنقاباتهم في اغلب المحافظات واعلنوا بدء إضراباتهم دون أي مقدمات- أو مقبلات – كما هو متعارف عليه في اعراف العمل النقابي من أن اصول مثل هذه الاعمال لا بد ان تقوم على التدرج في ممارسة وسائل التعبير عن الامورالمطلبية المشروعة، وقد درجت جميع النقابات على اتباع مثل هكذا اسلوب في اي مكان في العالم، وفي اي مرفق او مؤسسة، مراعاة للصالح العام، واعطاء مساحة واسعة للراي العام وصانعي القرار والجهة المعنية للاطلاع على ماهية المطالب والحقوق التي لأجلها استدعى الامر القيام بذلك، اضافة الى كسب تأييد شريحة واسعة من المجتمع لمطالبهم ومناصرتها، فالتدرج ومراعاة المصلحة العامة يقوي موقف المحتجين ،على العكس اذا لم يتم ذلك، فقد ينعكس الامر سلبا، فما بالنا ونحن نتحدث عن اضراب يعمل على شل حركة اهم جهاز في البلد وهو جهاز العدالة، لما يترتب على تعطيله من مضار جسيمة تلحق بالإنسان وحقوقه وحرياته، ومن ثم بالوطن برمته وأمنه واستقراره.
أنا هنا لست بصدد انكار حق اي فئة بممارسة حقها السلمي والنقابي لتحقيق غايات مشروعة، كما لست بصدد حرمان الاخوة من حقهم بالمطالبة بتسوية اوضاعهم، بل ان هذه السلوكيات السلمية لا بد ان تتجسد في مجتمعنا، ولكني أوضح الكيفية التي تعارف الجميع على العمل بها في الوسط النقابي، وضرورة التزام واتباع التدرج ومراعاة المصلحة العامة واختيار الزمان المجدي والذي سيؤتي ثماره. اظن ان زملاءنا لم يستوعبوا بعد مفاهيم واساسيات العمل النقابي بسبب حداثة التجربة، فوقعوا بخطأ التوقيت وأخطأوا البداية، وهذا وفق اجتهادي، اذ لا يعقل أن يعلن القضاة تعليق اضرابهم مراعاة للمصلحة العامة وبدافع الانسانية وتقديرا للمرحلة الاستثنائية التي تمر بها البلد ونفاجأ بدعوة الموظفين والكتبة الى الاضراب وتتوقف حركة جهاز العدالة من جديد (وكأنك يا بو زيد ماغزيت)، لا أدري هل خطط لذلك مسبقا؟ وكأنه فعل مقصود؟ ام أن حداثة التجربة وسوء تقدير هو من أوقعهم بذلك؟ ان مراجعة المواقف في مثل هذه الامور واستشعار المصلحة العامة وتغليبها على المصالح الذاتية عمل عظيم يدعم اصحاب القضايا العادلة ويقوي مواقفهم ومطالبهم، ولذا فاني أدعو الزملاء في الهيئات الادارية لنقابات موظفي المحاكم والنيابات أن يراجعوا موقفهم ويتدارسوا الامر ويبادروا الى معاودة العمل وتعليق الاضراب لنفس الاسباب التي لأجلها علق القضاة اضرابهم حتى لا ينظر اليهم وكأن اضرابهم كان مقصودا ومخططا له، وكأنهم غير مكترثين بالصالح العام، ودواعي الإنسانية، فلا يعقل أن يستمر تعطيل القضاء وتعليق قضايا وحقوق الناس وتحتجز حريات المواطنين ويظل المحتجزون دون النظر في قضاياهم، والمستثمرون والمؤسسات التجارية والاقتصادية تعطل مصالحهم، والفصل بقضاياهم، وخاصة وان الامر قد اخذ وقتا طويلا ونحن مقدمون على عطلة قضائية بعد شهر ونيف من الايام، وهذا يعني مزيدا من المعاناة وكثيرا من انتهاكات حقوق الانسان وكأننا لا يكفينا مانحن عليه من أوضاع سيئة واوجاع تتعاظم، واختلالات قائمة في مختلف المؤسسات، ومنها مؤسسات العدالة – الأمن والقضاء – إن استمرار هذه الآلام والقبول بماهو قائم ولا سيما في مؤسسة العدالة لن يطول صمت المجتمع حياله فسيادة القانون والمواطنة المتساوية ومحاربة الفساد والاصلاح المؤسسي وحماية المال العام لن يتحقق الا في ضل قضاء نزيه ومستقل لا يتبع احدا ولا يخضع لفئة او جهة، يكون عنوانا للانتصاف وحاميا للحقوق والحريات، وحارسا لآمال وطموحات الشعب .
وأخيرا أتمنى أن يكون ظني فيما ذهبت اليه في عنوان مقالتي من باب الظن المعتبر اثما، ويكون ما اقدم عليه الزملاء موظفو المحاكم والنيابات هو من باب الخطأ في التوقيت. والله من وراء القصد.

منسق هود في تعز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى