عناوين مميزةمساحات رأي

رؤساء أميركا وأعداء الشعب

رؤساء أميركا وأعداء الشعب

فيكتور ديفز هانسون

في عام 2008، رشح باراك أوباما نفسه للرئاسة الأميركية، متبنياً أجندة تشمل “الأمل والتغيير”. وكان يفترض لتلك الرسالة المتفائلة، أن تترجم إلى ملايين الوظائف الخضراء، والاعتدال المالي، والرعاية الصحية الشاملة، وإعادة ضبط السياسة الخارجية التي اعتمدها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، والوحدة العرقية.

وبعد مرور أربع سنوات، لن يكون أي من تلك الوعود موضوعاً لحملة إعادة انتخابه في عام 2012. فقد ارتفعت أسعار الوقود إلى أكثر من الضعف، وتم إهدار مليارات الدولارات على مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، التي لم تنتج سوى القليل من الطاقة الخضراء. ويبدو تجاوز معدلات البطالة نسبة 8% وكأنه القاعدة الجديدة، فيما كانت الـ5% في الماضي تسمى “انتعاشاً خالياً من الوظائف”.

ومن الشرق الأوسط إلى شبه الجزيرة الكورية، يبدو العالم واقفاً على حافة الهاوية. وقد شهدت العلاقات العرقية الحديثة انحداراً جديداً.

ولو كان اقتراض 4 تريليونات دولار في غضون ثماني سنوات يمثل تصرفاً “غير وطني”، كما وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما سلفه جورج بوش، فإن أحداً لا يعرف كيف يصف إضافة ديون جديدة بقيمة 5 تريليونات دولار، في غضون أقل من أربع سنوات. ولا يحظى برنامج “أوباما كير” بشعبية لدى الجمهور، وتعود مسألة دستوريته الآن إلى المحكمة العليا.

بعد مرور أربع سنوات، أصبحت الادعاءات بأن “بوش فعل ذلك”، وأنه “كان يمكن للوضع أن يكون أكثر سوءاً”، ادعاءات مبتذلة. لذا فإن إعادة الانتخاب لن تقوم على أجندة جديدة، أو على تفسير لما حدث، وإنما على استراتيجية فرق تسد. وهذا يعني أن أوباما سيجد تصدعات في جمهور الناخبين، وسيعمل على توسيعها، ثم سيحشد عدداً من الموالين الغاضبين على أمل تحقيق أغلبية ضئيلة. وليست استراتيجية نحن/هم هذه جديدة في التاريخ الأميركي.

وفجأة أصبح هناك أعداء جدد يعرفون باسم الـ”1%”، وهم أولئك الذين يجنون أكثر من 200 ألف دولار في السنة، والذين “لا يدفعون نصيبهم العادل”. وفيما يبدو، في ظل اقتصاد محصلته صفر، فقد أخذت هذه الأقلية الضئيلة الكثير من الأغلبية، وسببت بالتالي السبات الذي دام أربع سنوات وأعقب الانهيار الذي شهده عام 2008.

وقد بنى الرؤساء الأميركيون السابقون، أندرو جاكسون ووليام جينينغز براين وفرانكلين روزفلت، حملاتهم الانتخابية على معاداة “الأغنياء” الأنانيين. وأصبح الكونغرس أيضاً عدواً مناسباً للشعب، وعلى الرغم من أنه خضع لسيطرة الديمقراطيين خلال العامين الأولين من رئاسة أوباما، وأن مجلس الشيوخ لا يزال خاضعاً لسيطرتهم، فإن الموضوع الجديد يصر على أن مجلس النواب الجمهوري يمنع الديمقراطيين من إتمام جميع الأشياء الجيدة التي بدأوها.

وبعد أن تبخر الدعم المقدم للصفقة الجديدة بحلول عام 1948، بنى الرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان حملته الانتخابية على معاداة الكونغرس الجمهوري، الذي منع متابعة “صفقته العادلة”، وبالتالي تسبب في تعثر الاقتصاد.

وفي عام 2009، مرر أوباما خطته للرعاية الصحية من خلال هامش حزبي ضيق في مجلس النواب، على الرغم من المسائل الدستورية المتعلقة بالولاية الفردية. والآن، فيما تبدو المحكمة العليا مشككة في شرعية “أوباما كير”، فإن الرئيس يبدو وكأنه يبني حملة إعادة انتخابه على معاداة القضاة “غير المنتخبين”. ويمكن لذلك أن يجدي نفعاً، ففي عام 1968 تغلب الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون على هيوبرت همفري في حملة مثيرة للشقاق، وذلك جزئياً من خلال انتقاد محكمة وارن الناشطة.

واستغل فريق أوباما مزاعم الديمقراطيين بأن “حرباً على النساء” شنت من قبل الجمهوريين والكاثوليكيين، لأنهم عارضوا الإعانات الفيدرالية لتحديد النسل. وللمرة الأولى منذ حملة جون كينيدي قبل نصف قرن من الزمن، تحول دور الكنيسة الكاثوليكية في السياسة إلى قضية تاريخية.

ويحمل الرئيس الأميركي مشاريع “النفط الكبرى” والتوترات السائدة في الشرق الأوسط، دون أن يشير إلى امتناعه عن تطوير احتياطيات جديدة من الغاز والنفط في الأراضي العامة، مسؤولية ارتفاع أسعار الوقود. وعلى نحو مماثل، فقد ألقى الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر اللوم على شركات النفط الجشعة والشرق الأوسط في عام 1980، بعد أن ارتفعت اسعار الوقود وتشكلت الطوابير في محطات تعبئته.

وفجأة، وبعد مأساة تريفون مارتن، وما قد يتضح أنه يمثل يقظة بيضاء قاتلة في أوكلاهوما، عادت مسألة العرق لتشكل خطراً كبيرا. وغالباً ما ناقش أوباما والمدعي العام إريك هولدر تلك المسألة، حيث انتقد الأول الشرطة لتصرفها “بغباء”.

وذكر الأميركيين أخيراً بأوجه الشبه العرقية بينه وبين تريفون مارتن، بينما انتقد الأخير تردد البلاد في مناقشة مسألة العرق، وتحدث عن تفشي العنصرية بين مشرفي الكونغرس. ولطالما شكل العرق مسألة انفجارية، ففي عام 1964 بنى الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون حملته، على الحاجة إلى توسيع نطاق الحقوق المدنية، فيما حظي خلفه ريتشارد نيكسون، في عام 1968، بشعبية واسعة بسبب رد فعله القوي ضد العنف العنصري.

وإذا أمكن لأوباما أن يحشد الساخطين من الشباب، ومناصري البيئة، والنساء، والأقليات، والفقراء الذين يؤمنون جميعا بأن “هم” بددوا أحلامهم، فإن الديون الهائلة والعجز وارتفاع معدلات البطالة والنمو البطيء وأسعار الوقود المتصاعدة، لن تحدد مسار الانتخابات.

وبنى العديد من المرشحين للرئاسة حملاتهم الانتخابية على تحديد أعداء للشعب، بدلا من مناقشة الوضع العام للدولة، وقد نجحوا في ذلك أحياناً وفشلوا في أحيان أخرى. ولكن المشكلة المتعلقة باستراتيجية نحن/ هم، لا ترتبط بتحقيق الفوز في الانتخابات فحسب، وإنما في محاولة ترميم ما تم تمزيقه إرباً.

نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى