أخطاء أمنية قاتلة ارتكبها فريق اغتيال خاشقجي
لم يدر في خلد الذين خططوا لإنهاء حياة الصحفي جمال خاشقجي أن تلك العملية ستتحول لاحقا إلى ما يشبه جريمة العصر، وأنها ستنقلب غضبا عالميا وكرة لهب يتقاذفها المسؤولون السعوديون رغم الجهد الذي بذل في إخفائها وطمس معالمها.
تقول المصادر التركية إن جريمة قتل خاشقجي خطط لها بدقة وعناية من قبل مسؤولين سعوديين قبل 12 يوما من وقوعها، كما أن فريق الاغتيال السعودي سخر إمكانات مادية وبشرية كثيرة لإتمام مهمته على الشكل المطلوب، إلا أنه ارتكب نحو عشرين خطأ “قاتلا” مكنت السلطات التركية من اكتشاف خطته وسهل عليها بناء تصور كامل للقضية منذ الأيام الأولى لوقوع الجريمة.
في التقرير التالي نتوقف عند 20 خطأ من أهم وأبرز الأخطاء التي ارتكبت في جريمة الاغتيال تحضيرا وتخطيطا وتنفيذا، وصولا إلى التعامل اللاحق مع إعلانها رفضا واعترافا.
وهذه الأخطاء هي:
1- الحضور الجماعي الاستعراضي: كانت أول أخطاء الفريق الذي تولى قتل خاشقجي هو حضوره إلى إسطنبول بشكل جماعي وعلى مجموعتين دخلتا البلاد بشكل لافت، بدلا من التسلل بشكل فردي وبطريقة غير مثيرة للانتباه.
2- الطائرات الخاصة: كانت أيضا طريقة المغادرة التي يصفها البعض بالفاضحة وعلى متن طائرتين خاصتين من الأخطاء التي وقع فيها الفريق القاتل.
3- توقيت المغادرة: وكان ثالث أخطاء الفريق مغادرته للبلاد في أقل من 24 ساعة من الدخول إليها، حيث لم يكن بالحسبان على ما يبدو أن خاشقجي سيحضر في الموعد الذي ضُرب له.
4- تجاهل الكاميرات: إغفال الفريق لوجود كاميرات المراقبة التركية التي رصدت تحركاته كافة، سواء في المطار أو الفنادق والشوارع أو غيرها.
5- تغيير الحجوزات: أما خامسها فهو تغييرهم لحجوزاتهم فجأة بُعيد الانتهاء من العملية مما أثار الريبة والشك.
6- تحركات الفريق: وكانت الطريقة المكشوفة لتحركات أفراد الفريق المكلف بالاستطلاع، أحد أبرز أخطاء الفريق، إذ إنهم ابتعدوا عن التمويه واختاروا التحرك باستخدام سيارات القنصلية.
7- عدم تعطيل الكاميرات التركية: وفي محاولته طمس الأدلة، ارتكب أفراد الفريق خطأ سابعا حين عطلوا كاميرات القنصلية، لكنهم أغفلوا كاميرات الحراسة الموجودة في الخارج التابعة للشرطة التركية، التي رصدت دخول جمال ولكنها لم تسجل خروجه.
8- الفشل في جلب الهواتف: لم يكن رأس جمال هو المطلوب فحسب، بل كانت هواتفه مطلوبة بشدة، إذ تمثل صيدا ثمينا وكنزا معلوماتيا هاما بالنسبة للسلطات السعودية، وكان أحد أخطاء الفريق أنه استدرج جمال إلى مقر القنصلية ولكنه لم يضمن خطة مصاحبة تضمن اصطحابه لهواتفه التي بقيت حرة بيد “أمينة” خارج مقر القنصلية.
9- الإلحاح في طلب الهواتف: وكان إلحاح السلطات السعودية لاحقا على نظيرتها التركية لتسليم الهواتف أحد الأخطاء اللاحقة على عملية القتل، وأثارت الكثير من علامات الشك والريبة وزادت من الالتباس حول دور السعودية على المستوى الرسمي في تعقب الرجل وقتله.
10- اختيار الفريق: من أفدح الأخطاء الذي وقعت فيه الجهة التي تولت تشكيل الفريق المكلف بخاشقجي اختطافا أو قتلا، أنهم اختاروا أشخاصا لا يتمتعون بالدرجة المناسبة من السرية والتكتم، فأعضاؤه كانوا ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة مكّنت حتى مرتادي تلك المواقع من التعرف على هوياتهم بمجرد نشر الصحف التركية لصورهم.
11- استخدام جوزات أصلية: وكان أحد الأخطاء أيضا دخول أعضاء الفريق لتركيا مستخدمين جوازات سفرهم الحقيقة مما سهل مهمة السلطات التركية في التحقيقات ومكّنها من ربط الجريمة بجهات عليا في المملكة بكل بساطة ويسر.
12- عدم توقع حصول الأتراك على التسجيلات: لم يدر بخلد الفريق أن السلطات التركية ستتمكن من الحصول بطريقة ما على تسجيلات صوتية توثق عملية الاغتيال وتسجل ما جرى داخل القنصلية، بطريقة تدين الفريق ومن أرسله.
13- الاتصالات الهاتفية: يبدو من خلال حديث وسائل الإعلام التركية عن اعتراض السلطات التركية لمكالمات جرت بين أعضاء الفريق ومسؤولين بارزين في السعودية، أن الطرفين (الفريق، والمسؤولون السعوديون) لم يحسبوا حسابا لهذا الأمر، وهو ما مكن الأجهزة الأمنية والقضائية التركية من مؤشرات وقرائن وربما دلائل استخدمت في ربط الجريمة بمسؤولين كبار في الديوان الملكي السعودي.
14- تحركات الفريق: وكان تحرك الفريق السعودي في عدد كبير من سيارات القنصلية خطأ أمنيا كاشفا، أراد من خلاله الفريق تشتيت انتباه الأجهزة الأمنية التركية، ولكنه تسبب في أثر عكسي حيث أثار انتباهها وجعلها تتابع تحركات الفريق بشكل لم يكن في حسبانه.
15- توسيع مسرح الجريمة: وسع الفريق مسرح الجريمة التي وقعت في القنصلية، حيث نقلها أيضا إلى بيت القنصل الذي كان أحد أركان الجريمة، وهو ما وضع المسؤولين السعوديين في مأزق حين ماطلوا في السماح لفرق التفتيش بالدخول إليه، وشكل لدى الجميع قناعة بأن لديهم ما يخفونه.
16- محاولة تضليل الأتراك: محاولة الفريق تضليل السلطات التركية باستخدام بديل لا يشبه خاشقجي، وكان الخطأ الأكبر الذي ارتكبه شبيه خاشقجي هو ارتداء حذاء لا يشبه حذاء خاشقجي بعد أن لا حظ أن الحذاء الأصلي كان أصغر من مقاسه.
17- علاقة الفريق بولي العهد: ومثل اختيار المسؤولين السعوديين أشخاصا مقربين من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتنفيذ هذه المهمة خطأ كبيرا، فماهر عبد العزيز المطرب قائد الفريق هو ضابط مقرب من ولي العهد السعودي وقد رافقه في جولاته الخارجية، إضافة إلى ذعّار الحربي اللواء في الحرس الملكي، وهؤلاء برفقة الطبيقي هم من أوكلت إليهم مهمة التخلص من الجثة وفقا للتحقيقات التركية، وهو ما صعب على السلطات السعودية التنصل من مسؤولية الجريمة، ونفي أي علم بها.
18- وجود الخطيبة: وكان أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبها الفريق، ولعله مثل إحدى نقاط الحسم في هذه القضية ابتداء، هو أن فريق الاستطلاع والمنفذين لم يتنبهوا إلى وجود خطيبة خاشقجي وحضورِها معه يوم قتله. ولو أن السيدة خديجة لم تحضر في ذلك اليوم ولم تبلغ السلطات باختفائه لكان لهذه الرواية زاوية أخرى، وربما ذهبت في اتجاه آخر، وأخذت منعطفا مختلفا.
19- تناقض الروايات: ومن الأخطاء التالية على عملية الاغتيال، التي ما زالت السلطات السعودية -وربما ستبقى إلى حين- تدفع ثمنها، تناقض الروايات التي قدمتها حول القضية برمتها، حين أنكرت حدوث العملية وأكدت مغادرة خاشقجي لقنصليتها وزعمت أن الفريق الذي جرى الحديث عنه كانوا مجرد سياح، مرورا باعترافها ببعض الحقائق، وانتهاء بما اعترفت به مؤخرا من قتل وتقطيع لجثة مواطنها وإخفاء متعمد لجثته.
20- موقع الجريمة: وربما يكون أيضا أحد أكثر أخطاء الفريق المكلف بالتخلص من خاشقجي هو اختيار مقر رسمي تابع للحكومة السعودية لتنفيذ الجريمة، بحضور القنصل المسؤول الأول في القنصلية وربما بعلم آخرين أيضا في هذا القنصلية، وهي ما سيزيد من صعوبة التخفيف منها واعتبارها مجرد اجتهاد من موظفين مارقين.
وتبقى عملية القتل ذاتها هي أسوأ الأخطاء وأكثرها مقتا، خصوصا أنها استهدفت صحفيا ليس له من جرم سوى التعبير عن رأيه الحر بطريقة سلمية، على أن جريمة الاغتيال أخذت منحى مضاعفا بتقطيع الجثة والتخلص منها بطريقة مثيرة وغريبة.