مساحات رأي

الزاوية التي تنظر من خلالها “واشنطن” لـ”الرياض”

عبد الكريم المدي.

 

 وكيف ستخرج السعودية بنصف كرامة من اليمن؟

بات من الواضح أن أمريكا لم يعد يعنيها في منطقة الخليج خاصة والمنطقة العربية عامة إلا بيعها الأسلحة والاستحواذ على أرصدتها واستثماراتها لديها،إلى جانب تهيئة المناخات لإهانتها وإدخالها في صراعات طائفية تحفظ لها وبأقل جهد استمرارية التفوق الإسرائيلي الذي تعتبره البوصلة التي تهتدي وتسترشد بها، ومادون ذلك،بما فيه النفط والشعارات التي كانت تُزايد بها طوال العقود الماضية والمتعلقة منها تحديدا بحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية والحرية ومحاربة الإرهاب ،لم يعد لها مكان في قائمة اهتماماتها، ولو كان ذلك حتى من باب الحُجج والذرائع التي عادة ما كانت تُوظّفها للتدخل العسكري المباشر وإسقاط أنظمة ودول قائمة كما حصل في العراق وأفغانستان وليبيا وغيرها، وإن كانت تلك التدخلات ،في نظر الكثيرين، هي العنصر الأول الذي أسس لهذا الوضع المزري الذي نعيشه اليوم.

ورغم أن الإستراتيجية الأميركية/ الغربية الجديدة قد غدت مفهومة لدى قطاع واسع من الناس، خاصة مع  صعود اليمين المتطرف وتفشي الشعوبية التي تعمل بقوة على إزاحة اللبرالية وقيم التعدد، إلا أن الفاعلين الرئيسيين في منطقتنا لا يريدون أن يفهموا ذلك،سيما الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن وعلى رأسهم السعودية والدول الخليجية ومصر، فهؤلاء يُمعنون في انتهاج سياسات تطغى عليها العشوائية والمزاجية من جهة ،والتباينات الشديدة فيما بينهم من جهة ثانية، ونتيجة لهذه السياسات ومفاهيم التبعثُر والمكابرة التي تُعميهم عن مشاهدة المخاطر ومواجهة الحقائق التي يأتي في مقدمتها دفع أميركا وبريطانيا لهم للدخول في دوامات من الصراعات وحروب الاستنزاف المميتة، أضف إلى ذلك تشجيعهم نحو تبني سياسة العدو الحقيقي (الصهيو أمريكي ) المتمثلة بتعبئة اللحظة وتلغيم الشعوب بالكراهية وإدخالها في مرحلة من التمزُّق الشديد في نسيج التعايش والتسامح، هاهو الجميع يهبط هبوطا شاملا نحو القاع والضياع .

صحيح قد يكون لإيران مشروع ما في المنطقة،وصحيح قد يكون كثير من مسؤوليها البارزين يستخدمون مفردات خشبية تطغى عليها نبرة التحدي التي تُقدم بعضهم كحرّاس للتعالي والاستفزاز ، إلا أن ردّات الفعل عليها في دول كالسعودية غالبا ما تكون عبثية، عدمية، مبتسرة تقود إلى تداعيات ومعضلات كبرى ليس لها منطق ولا قواعد.

أتذكّرُ أننا ومن أول يوم للعدوان السعودي على اليمن ومن قبله تدخلهم في سوريا وإمداد أطراف معينة بالمال والسلاح والإعلام الموجّه، رفعنا أصواتنا ونصحنا – كعرب – بإخلاص وقلنا :إن معالجة ما يجري بتلك الطريقة خطأ فادح سيقود إلى كوارث يصعب معالجتها ،وأن الرهانات على المال والإمبراطوريات الإعلامية والتأثير في دول المركز لن يقود – أيضا- إلا لمزيد من الخسائر وتمزيق الشعوب وغرس بذور الطائفية، الأمر الذي عني أن أي رغبة لحسم الملفات وحماية أي شكل من أشكال التضامن العربي ستظل بعيدة منتهى البعد عن التحقق، لكن للأسف الشديد، لم يسمعنا أحد ،بل على العكس عمد المُخاطب – من خلال إعلامه وأنصاره هنا وهناك – على إستغبائنا بكل عنجهية.

اليوم وبعد كل ما نشاهده ونعيشه من مآسي وتفتيت حقيقي للوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي في اليمن وسوريا والعراق،ما الذي يُمكن أن نقوله ونقوم به ،ومن سيعالج هذه الأوجاع ويرمم هذا الكم من التشققات الحاصلة في جسد المجتمعات ويعيدها مشكورا إلى العام (2011)؟

تساؤلات ملحة تفرضها هذه الضبابية الحاصلة في آفاقنا : من سيخرجنا من هذه الأنفاق والأقفاص الحديدة ويعيد غرس بذور السلام ويفتح المدارس والحدائق للأطفال والمستشفيات للمرضى ؟

كمواطن يمني وعربي أقرُّ بأنني أشاهد صور المجاعة والتشرُّد ومواكب الشهداء في وطني (اليمن) ومعها قوافل المهجّرين قسريا –  بإشراف التحالف – من الجنوب إلى الشمال إضافة لضحايا القتل على الهوية أو بصواريخ (العاصفة)، أشعر بصدمة شديدة لا أستطيع معها النظر في هذه الصور المفزعة ،وأقرُّ أنني وبعد كل ما أشاهده من عيون دامعة وقلوب نازفة وأفواه جائعة، سواء في اليمن أو سوريا، وما أشهاده – أيضا- وأعيشه من حالة نسيان وانفصال شبه تام عن قضيتنا الأولى ( القضية الفلسطينية) ،أقر بعجزي الكامل في التعبير عن ذلك ،أحسُّ معها أن لغتي لا تسعفني ، تستقوي عليّ حروفها وأبجديتها ومفرداتها.

كُلنا رجاء بأن قوى العدوان على اليمن وكل حلفاء الموت في سوريا تكون قد وصلت إلى قناعة ترى بموجبها أن الحائط الوحيد للخروج من معضلتيّ ومستنقعيّ اليمن وسوريا ، الذي يُمكن له أن يضمن لها الحد الأدنى من ماء الوجه وبقية من شرف وكرامة وأمن هو الاعتراف بالآخر وبفشل الحلول العسكرية

والتوقف الفوري عن مغامرات ومحاولات اجتياز هذه الأراضي المجهولة والتي صارت مصدر جحيم تحرق الجميع وتصيب من وطأت قدمه فيها أووصلت أسلحته إليها باللعنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى