عناوين مميزةملفات

حكاية ثورة انتظرها العالم.. من “الحسين” إلى “عبد الملك”

السيد حسين الحوثي“قلنا لهم في اليوم الأول من أيام الحرب، عندما اتصلوا بنا وهددونا وقالوا لنا إنّ مصيرنا أن يقتلونا وأن ينهوا وجودنا، ككيان إيماني قرآني. قلنا لهم… الأرض لله، إنّها له، وهو ما يقرر ما يجري عليها”.  السيد عبد الملك الحوثي

الهوية – “المنار”

الإيمان المفرط بالأرض والمطلق بالله، مكّن هذه الحركة من أن تثّبت نفسها رقماً صعباً في اليمن، لقد جعلوا من جغرافيا أرضهم الوعرة شاهدة على زمانهم وناطقة بتاريخهم الجديد الذي يكتبونه على صخر.

ستة حروب، واجهت أنصار الله في آخرها الجيشان اليمني والسعودي، لم تزعزع إيمان أتباعها بأن الله “أقسم لأوليائه.. أنهم إذا ما انطلقوا لنصره، فإنه سينصرهم، كيف ما كان عدوّهم”، وفق ما يعبرّ مؤسس الحركة، الشهيد السيد حسين الحوثي.

خرج مقاتلو أنصار الله من كل حرب أقوى وأشد، علماً أن النظام اليمني السابق وحلفاءه لم يوفرا أسلوباً في مواجهة “الحوثيين”. في حرب 2004، رُمي مؤسس الحركة باتهامات ادعاء “النبوة والمهدوية والإمامة” – مجتمعة- وبالتنسيق مع جهات خارجية، ارتكب الجيش اليمني وعناصر دينية متشددة تابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح المجازر، وكانت الصواريخ تنطلق من الأراضي السعودية باتجاه مرّان التي كانت معزولة بشكل تام عن العالم.

في 10 سبتمبر 2004، انتهت الحرب التي امتدت 3 أشهر، باستشهاد حسين الحوثي وسط تعتيم إعلامي تام إلا عن رواية السلطة اليمنية وحلفائها، والتي خلقت جواً متصالحا مع نتائج الحرب، نتيجة التشويه الإعلامي الكبير الذي مورس داخل اليمن وخارجها، ضد الحركة وأطروحاتها.

“انتهت الحرب الأولى، ولم نعد نملك أي قطعة سلاح. فنهبوا سلاح الشهداء والجرحى. وأخذوا الآخرين كأسرى… شُردنا في الجبال والوديان، لم نكن نملك حتى لقمة الأكل، كنا نأكل من أوراق الشجر، وكنّا مطاردين”، هكذا يصف عضو المكتب السياسي في أنصار الله ضيف الله الشامي وضع الحركة بعد حرب عام 2004.

استطاع ما تبقى من مقاتلين في الحركة جمع صفوفهم واللجوء إلى جبال منطقة النشور، وسط محافظة صعدة، التزم مقاتلو أنصار الله الجبال، مُنع عليهم الخروج إلى الأسواق العامة حيث كانت تنتظرهم الملاحقات والمطاردات، بحسب الشامي.

 

محاولة اغتيال الحوثي الأب… “حرب صعدة الثانية”

على صعيد آخر، كان العلامة السيد بدر الدين الحوثي مهتماً بقضية الإفراج عن الأسرى. تواصل نجل العلامة، يحيى الحوثي الذي كان متواجداً في صنعاء مع علي عبد الله صالح، فطلب الأخير قدوم الحوثي الأب إلى العاصمة. يروي صهر الحوثي عبد الرحيم الحمران، ما جرى يومها:”قالوا إن بمجرد وصول العلامة السيد بدر الدين لصنعاء سيتم إطلاق كل الأسرى. ذهب إلى هناك ومكث عدة أيام إلا أنهم لم يفعلوا أي شيء”.

حاولت السلطة اليمنية فرض الإقامة الجبرية على العلامة الحوثي، لاستخدامه كورقة ضغط على المقاتلين اللاجئين إلى الجبال. “يقول البعض إنه تعرض لمحاولة اغتيال في صنعاء، لكن هذا غير مؤكد، ما هو مؤكد أن السيد بدر الدين عاد من صنعاء خلسة لأنهم لم يتيحوا له فرصة للعودة، حتى أفراد أسرته لم يكونوا يعلمون بعودته”، ينقل الحمران.

بعد ذلك، أخذت قوات الأمن اليمني تبحث عن السيد بدر الدين الحوثي. كان كمين “سوق الطلح”، الذي أودى بحياة عدد من المقربين بالعلامة الحوثي، مقدمة لتفجير الوضع. لاحقاً، نفذت القوات اليمنية عملية إنزال مظلي بهدف اختطاف أو اغتيال الحوثي، فاشتبكت مع عدد من مرافقيه الشخصيين وهنا اندلعت الحرب الثانية.

كان المطلوب مما تبقى من مقاتلين تسليم أنفسهم وما بحوزتهم من السلاح، وكان هناك إصرار على ضرورة التخلي عن شعار الحركة، ومنع تدريس ملازم حسين الحوثي (محاضراته). مَنع النظام اليمني الاحتفال بذكرى الغدير، وهي مناسبة دينية يحتفل بها الزيديون عموماً، ضُرب احتفال الغدير في عامها بالطائرات.

وأُغرقت اليمن بالكتيّبات المسيئة للزيدية، في الوقت التي سخّرت فيه وزارة الأوقاف، التي كانت بيد التجمع اليمني للإصلاح، المدارس التعليمية لنشر الوهابية. باختصار كان المطلوب “محو الهوية بالكامل”، وهو ما يتفق عليه عبد الرحيم الحمران وضيف الله الشامي. وهو ما قاد إلى الحروب اللاحقة التي تمكن فيها “أنصار الله” من تحويل تهديد المحو من التاريخ والجغرافيا إلى كتابة ثابتة في صخور الجبال التي احتضنتهم.

امتدت الحرب الثانية بين تاريخي 18 مارس 2005 وحتى 4 أبريل 2005، فقاد المعركة عن جهة “الحوثيين” القيادي عبد الله بن عيضة الرزامي. وانتهت بإعلان السلطة اليمنية عن “مقتل بدر الدين الحوثي”.

“كانوا معتقدين (السلطة) أنّ السيد بدر الدين استشهد في الحرب الثانية، لقد وجدوا عمّته وبعض أغراضه، بعدما استهدفوا المسجد الذي عادة ما يتواجد به، فاعتقدوا أنّه استشهد”، يقول الحمران.

فيما يضيف الشامي:”كانت مزاعم غير صحيحة، أردوا أن يضعفوا نفوس المؤيدين لأنصار الله في كافة اليمن، كانوا يتحدثون عن مقتل قيادات: أحياناً السيد بدر الدين وأحياناً السيد عبد الملك، وحتى عن قيادات أخرى. أرادوا إضعاف نفوس المقاتلين والمتعاطفين… كانت الاتصالات بكافة وسائلها ممنوعة، حتى الزيارات إلى محافظة صعده كانت ممنوعة بتاتاً. وأي صحيفة أو قناة كانت تحاول أن تتحدث عن أنصار الله كانت تقفل وتغلق وتواجه بتهم التخوين”.

يكاد زوج ابنة السيد بدر الدين الحوثي، عبد الرحيم الحمران، لا يستذكر من الحرب الثانية إلا الجرائم الدموية والمقابر الجماعية، “أحرقوا القبور وسيروا الدبابات عليها وعلى أجساد الشهداء، كانوا يقتلون الناس بدم بارد وبشكل مفرط جداً، ورموا بمختلف أنواع الأسلحة ضد فئة بسيطة من الناس وفي منطقة محصورة”.

 

المعتقلون واليهود… الحرب الثالثة وما بعدها

انتهت الحرب الثانية، ولم يكن هناك أي منطقة آمنة. “توجه المقاتلون إلى منطقة الصفراء القريبة من الحدود السعودية، ولجؤوا أيضاً إلى نقعة، وهي منطقة في العمق فيها كهوف وجبال محيطة ويسكنها البدو. تجمع الشباب هناك، مع السيد بدر الدين الحوثي”، إلا أن ملاحقات السلطة دفعتهم للخروج نحو مطرة ونقعة لاحقاً، حيث استطاعت الحركة إعادة تنظيم صفوفها لتتحول المنطقة لاحقاً إلى مقر لقيادة عمليات الحركة، وفق ما يذكر د. الحمران.

عام 2006، تحديداً بين شهري يونيو و سبتمبر اندلعت الحرب الثالثة التي امتدت لأشهر ثلاث. بدأت الحرب بالاعتداء على المعتقلين في السجن المركزي بمدينة قحزه في صعده، ما أدى إلى مقتل ثلاث معتقلين. انتقلت المعارك إلى الأسواق.

كانت حربا طاحنة،”لم يستطيعوا إحراز أي تقدم، وانتهت بالتفاوض، فتم نقل معتقلي الجامع الكبير بصنعاء عام 2004، على خلفية ترديدهم شعار الحركة، من السجون العامة في المحافظات إلى السجن المركزي. وعمد النظام اليمني إلى تغيير محافظ صعدة لتلطيف الأجواء وإيقاف الحرب، فاستجبنا لذلك”.

“افتعلت السلطة اليمنية قضية تهجير يهود بني سالم” من محافظة صعدة، لتشن حرباً جديدة ضد أنصار الله. امتدت الحرب من يناير وإلى يونيو من العام 2007. استفادت الحركة من إفراج السلطات عن حوالي ألف معتقل قبل فترة من الحرب، فعملت على إعدادهم عسكرياً.

يقول عضو المكتب السياسي في أنصار الله ضيف الله الشامي إنه خلال أكثر من 6 أشهر، “لم تتوقف المعارك لحظة واحدة، وكانت من أعنف الحروب.. لكنّهم فشلوا فشلاً ذريعاً، فحاولوا تسوية الأزمة بموجب وساطة رعتها قطر، وعليه اتفق الجانبان على تسليم أكثر من 83 جبلاً أو موقعاً عسكرياً للجيش اليمني، تحت عنوان “فرض هيبة الدولة”.

على هذا الأساس، تم إيقاف الحرب الرابعة، لتكون أول حرب يقودها السيد عبد الملك الحوثي الذي أضحى فيما بعد قائداً لحركة أنصار الله.

 

من هو عبد الملك الحوثي؟

يتوسط عبد الملك الحوثي، المولود العام 1979، أبناء العلامة السيد بدر الدين الحوثي من زوجته التي تنتسب لـ”آل العجري”. وقد لازم والده الذي تنقل بين الأرياف والقرى القبلية لتدريس العلوم الفقهية، “كان العلامة بدر الدين يمتدح شجاعة عبد الملك ويسره انجذابه نجله للتحصيل العلمي بنهم، ما جعله يلقنه العلوم والمعارف من سنواته الأولى، فحفظ الأحاديث النبوية ومتن الأجرومية والشعر والتفسير وعلم الكلام والفقه والمواريث وغيرها من الفروض العلمية وفق المذهب الزيدي”.

المقربون منه لا يتذكرون من طفولته إلا خجله وهدوئه ومرحه. أما شجاعته وصلابته بدأ يستشفها هؤلاء في مطلع العشرينيات، تحديداً بعد الحرب الأولى.

إبان الحرب الأولى عام 2004، قاد السيد عبد الملك الحوثي مجموعة مقاتلين بقرية “جمعة بن فاضل”بمديرية حيدان الجبلية الوعرة، في آخر محاولة لهم لفك الحصار عن جرف سلمان، الذي لجأ إليه أخوه حسين الحوثي وعائلته وأنصاره قبل أن يُستشهد، وفق ما ينقل أخوه السيد محمد الحوثي.

من مرّان انتقل “أبو جبريل”، وهي كنية السيد عبد الملك الحوثي، ليستقر في “نشور” التي شهدت لاحقاً الحرب الثانية، فتوجه بعدها إلى منطقة نقعة في محافظة صعده. وهناك التحق به العشرات من أنصار الحركة، “جاء البعض بعوائلهم ومتطلبات العيش.. معظمهم هاربون من الملاحقة والإيذاء والامتهان والتهديد بالسجن والعقاب.. بدؤوا ببناء مساكن متواضعة”.

“صغر سن السيد عبد الملك الحوثي في الحرب الثانية وعدم معرفة المقاتلين به كونه انشغل بطلب العلوم الدينية” لم تُلفت انتباه أنصار الحركة إلى شخص “أبو جبريل” في البداية – بحسب أخيه السيد محمد – إلا أن وعيه وثباته وقدرته على إدارة الحرب وحنكته السياسية أظهرتها الأحداث المتسارعة، مبرزة الجوانب القيادية في شخصيته، حتى لمس فيه المقاتلون امتداداً لأخيه المؤسس.

ظل وجه السيد الشاب مجهولاً لاعتبارات أمنية، إلى أن اتخذت الحركة قراراً بنشر صورة له بحدود العام 2008، يومها تعرّف العالم إلى الشاب الذي قاد مجاميعه القليلة لانتصارات كبرى في حروب لازمه فيها والده العلامة الحوثي.

شكّل السيد عبد الملك الحوثي هدفاً كبيراً للسلطة اليمنية وحلفائها. وفي العام 2010، إبّان الحرب السادسة، خرجت وسائل الإعلام اليمنية والأجنبية بإعلان نبأ “مقتله” بإحدى الغارات الجوية السعودية!

لم يكونوا يدركون أن للحكاية المؤسِّسة (حسين الحوثي) رواية كبرى ينتظرها العالم (عبد الملك الحوثي).

=——————————-

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى