مساحات رأي

هل تقسيم المملكة آتِ ؟!

كاريكاتيربقلم | جرجس بشرى.

من يقرأ الوثيقة التي قام بتسريبها الكاتب الصحافي المعُادي للصهيونية العالمية ” إسرائيل شاحاك” والتي كشفت عن مخطط من الثمانينات من القرن الماضي لتفتيت وتقسيم منطقة الشرق الأوسط وبعض البلدان العربية والإسلامية إلى دويلات على أسس دينية وعرقية ومذهبية لضمان أمن إسرائيل على المدى القريب والبعيد.

يدرك أن المخطط يتم بل ويجري على قدم وساق كما هو مرسوم له في هذه الوثيقة الجهنمية التي اتخذتها إسرائيل ورقة عمل لها ، حيث أشارت الوثيقة وقتها إلى تقسيم سوريا ولبنان والعراق واليمن ومصر والسودان وليبيا ، بل والأخطر من ذلك أن هذه الوثيقة أشارت إلى تقسيم المملكة العربية السعودية ذاتها ! حيث جاء في الوثيقة : ” أن دولا مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منها لن يكون لها وجود في صورتها الحالية ، بل ستنضم إلى حالة التفكك والسقوط التي ستتعرض لها مصر.

فإذا تفككت مصر فستتفكك سائر الدول الأخرى ، وان فكرة إنشاء دولة قبطية مسيحية في مصر العليا إلى جانب عدد من الدويلات الضعيفة التي تتمتع بالسيادة الإقليمية بعكس السلطة والسيادة المركزية الموجودة اليوم هي وسيلتنا لإحداث هذا التطور التاريخي.

كما ان تفتيت لبنان إلى خمس مقاطعات إقليمية يجب أن يكون سابقة لكل العالم العربي بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية ” ،إلى هنا انتهى الاقتباس من بعض مما جاء بالوثيقة ، لنؤكد أن معظم ما جاء بالوثيقة المسربة من الثمانينات حدث ويحدث بحذافيره الآن ، ولولا ثورة 30 يونيو 2013 التي انتفض فيها الشعب المصري العظيم بكل مكوناته للإطاحة بجماعة الإخوان وعزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم لكانت الأوضاع الآن أكثر رعبا ودموية وفوضى وحروب أهلية واقتتال في الشوارع ، وما كانت سوريا العظيمة الشقيقة على الحال التي هي عليها الآن بل كان مصيرها سيكون مثل مصير ليبيا والسودان ، ولكانت وتيرة العنف والإرهاب والدم في اليمن والعراق الشقيق أكثر مما هي عليه الآن.

فالثورة المصرية أربكت مخطط تقسيم المنطقة وأصابت المخطط الصهيو أمريكي في مقتل ، وكشفت الوجه القبيح لجماعات الإسلام السياسي المتاجرة بالإسلام ، هذه الجماعات التي أصبحت من اخطر الأدوات في يد الإدارة الأمريكية وإسرائيل والدول المتحالفة معهما لإتمام المخطط فعليا على الأرض ، بأقل تكلفة وعتاد .. فالحروب بالوكالة هي حروب متطورة وتتخذ أشكالا كثيرة ومتغيرة كل يوم كالحرب الالكترونية والإعلامية والمذهبية والطائفية وحرب الشائعات أو باختراق مؤسسات الدولة بمسئولين فاشلين أو مرتزقة أو عملاء أو فاسدين متروكين بلا مساءلة ولا محاسبة ، نأتي للسؤال الأهم هنا : هل تقسيم المملكة العربية السعودية آت ؟! والإجابة على هذا السؤال يتوقف على سيناريوهين لا ثالث لهما.

السيناريو الأول وهو الأقرب للواقع الملموس الآن هو سقوط وتفكك وانهيار مملكة آل سعود وتقسيمها ، ومحاكمة العائلة المالكة ومصادرة ممتلكاتها وإيداعها في السجون إن لم تستطع الهرب بعد تخلي حلفائها الاستراتيجيين عنها في مشهد دراماتيكي خطير وغير متوقع بالنسبة لآل سعود ولكنه متوقع في السياسة والثورات ! وهذا السيناريو أو الاحتمال سيصبح حقيقة واقعة من خلال استمرار مخطط المملكة العربية السعودية الاستراتيجي في دعم الجماعات التكفيرية والجيوش الحرة والمعارضة المسلحة في البلدان العربية مثل سوريا واليمن والبحرين ومصر وليبيا والعراق ولبنان ، ومواصلة المملكة في تأجيج الحرب المذهبية والطائفية بالمنطقة بالمال والسلاح والآلة الإعلامية لإسقاط المنطقة العربية برمتها في هوة حرب مذهبية ودينية ستكون المملكة هي أول المكتوين بنارها وأول ضحاياها ودافعي فاتورتها.

فالحرب السنية الشيعية هي الحرب المخطط لها الآن لإسقاط المنطقة وتسليمها تسليم لصالح الإدارة الأمريكية وإسرائيل وبعض القوى المتحالفة معها عضويا ، وهي حرب مرفوضة أخلاقيا ودينيا وإنسانيا وقد قال التاريخ كلمته فيها بعد ان جرب العالم ويلات الحروب المذهبية في الكنيسة في العصور الوسطى وما خلفته من ضحايا ودماء باسم الدين والدين برئ منها ، ومواصلة المملكة العربية السعودية في دعم الصراع المذهبي والطائفي في المنطقة بحجة حماية الإسلام جريمة كبرى تفتت الأمة الإسلامية والعربية ولا توحدها.

فالسنة والشيعة مسلمون ومؤمنون وباعتراف فضيلة الدكتور احمد الطيب نفسه شيخ الأزهر الشريف في جامع الأزهر بالعاصمة الاندونيسية جاكرتا حيث أكد الطيب في كلمته ان السنة والشيعة هما جناحا الأمة الإسلامية ويجب ان يعيشوا في سلام وأكد على أهمية العيش المشترك بينهم ، بل وصلى بجوار المرجعية الشيعية اللبنانية ليقدم نفسه قدوة وعظة قبل ان يكون واعظا ! ، وأنني أرى ان المملكة الآن تسير بسرعة الصاروخ نحو الهاوية باعتمادها سياسات منفلتة وانفعالية وغير متوازنة في سوريا والعراق واليمن ووصل التخبط ذروته عندما رأينا بأم عيوننا وسمعنا بأذاننا تجييش المملكة لبعض الدول والموالين لها ضد حزب الله اللبناني الذي يعد احد أهم أصوات المقاومة ضد الكيان الصهيوني الغاشم ويعتبر واحدا من صمامات الأمن والاستقرار في لبنان واحد الداعمين لوحدتها في مواجهة المخطط ” الصهيوامريكي السعودي”.

وقد اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخرا في محاولة منه لنفض يديه من جرائمه قبل مغادرة البيت الأبيض قائلا : إن الحروب والفوضى بالشرق الأوسط لن تنتهي إلى أن تتمكن السعودية وإيران من التعايش معاً والتوصل إلى سبيل لتحقيق نوع من السلام ” ويبدو أن أوباما تعامى وتجاهل وتغاضى عبر تصريحه هذا أن الإدارة الأمريكية هي التي صنعت ودعمت مشروع الفوضى الخلاقة في المنطقة ومولت ، وقد اعترف المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب بذلك وقال : ” أوباما هو من مول وصنع داعش ” وبالطبع مولها وصنعها عبر داعمين له ولسياساته في المنطقة وأول هؤلاء هم آل سعود ، وتركيا وقطر ، وبالتالي فالمملكة العربية السعودية أصبحت الآن جزءا من المؤامرة على ذاتها أولا وعلى المنطقة العربية ثانيا ، بسبب دعمها اللامتناهي للتطرف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى