استطلاعاتعناوين مميزة

الطلاق .. ضياع للأبناء وآلام لا تنتهي

-128645_Lيعتبر الطلاق كارثيا على الأسرة ككل لا يعاني منه الزوجان وحسب بل المعاناة الأكبر تكون على الأبناء الذين يعتبرون المتضررين الأكبر من طلاق الوالدين .

وإذا كان الطلاق في بعض الأحيان حلاً لخلافاتٍ زوجيةٍ لا يمكن علاجها إلا به، فهو في أحيان كثيرة فتنة ينبغي أن نستشعر أضرارها اللاحقة بضحايا لا ذنب لهم في هذه القضية وهم الأبناء الذين يمثلون رمز وحدة الأسرة ومستقبل نهضة الأمة.

الهوية في هذا العدد تجمع آراء المختصين النفسيين و الاجتماعيين بالأطفال وتتعرف على تأثير الطلاق على الأبناء  :

 

لست محظوظة

تصف العشرينية سارة محمد  بأنها “غير محظوظة”، كما أنها “فتاة مقهورة”، كتب عليها أن تكون الوحيدة بين صديقاتها التي تعيش وحيدة بلا أسرة، حيث تعيش مع جدتها منذ طلاق والديها.

تقول سارة إن والديها انفصلا عن بعضهما قبل ثمانية أعوام، جراء خلافات كثيرة  بينهما، سيما أن والدها يعمل في إحدى دول الخليج لتوفير حياة كريمة للأسرة.

وتتابع سارة “أمي لم تحتمل هذه الحياة كون والدي بعيدا ولم تستطع تحمل مسؤوليتي ومسؤولية البيت وحدها”، مضيفة “عندما كبرت وصارت لي احتياجات ومتطلبات باتت أمي تشكو لوالدي كل صغيرة وكبيرة والخلافات تكبر بينهما لينتهي الأمر بطلاقهما”.

ما آلم سارة أنها شعرت أن “الطلاق حدث بسببها كون أمها دائما ما تردد أنها لا تحتمل مسؤوليتي وحدها”.

وما أثر في نفسية سارة أن والدتها، وفق قولها، تخلت عنها وفضلت أن تتزوج.

وتضيف بأنها تكره نفسها، خصوصا بعد تخلي والدتها عنها وتفضيل الزواج الثاني ما جعلها تسكن عند جدتها.

 

 أفضل الطلاق الحضاري

بينما تقول كفى ماهر التي تعيش مع ولدتها بعد طلاقها الاستمرار في حياة أسرية مليئة بالمشاكل والصراعات على كل صغيرة وكبيرة أو البرود العاطفي وسوء التواصل بين الزوجين أسوأ تأثيرا على الأطفال من الطلاق, بشرط أن يكون الطلاق حضاريا بمعني أن يتعاون الوالدان معا وأن يعي كل منهما أنه يمكن أن يكون زوجا غير مناسب ولكنه يمكنه أن يكون أبا جيدا, وأن يظهر كل منهما احتراما وتقديرا للآخر أمام الأبناء, وألا يستعمل الأطفال في حمل رسائل من أحدهما للآخر ولكن يتم تواصلهما بصورة مباشرة.. إذا تحقق ذلك فإن تأثير الانفصال يكون إيجابيا على الأطفال أكثر من الاستمرار في حياة أسرية غير مريحة لكل الأطراف.

 

آثار نفسية وسلوكية

وتقول الدكتورة سامية محمد -أستاذ مُشارك في ثقافة الطفل -: إن هناك آثاراً مترتبة نفسياً وسلوكياً على الأطفال بسبب الانفصال بين الزوجين، خاصةً إذا تم في مراحل عصيبة وصراع دائر بين الوالدين، مضيفةً أن للطلاق أثراً كبيراً على جميع أفراد الأسرة من أبوين وأطفال، وهو تجربة صعبة على كل فرد وعلى الأخص الأطفال، مُبينةً أن المرور بمرحلة فقدان الحُب والألفة الناتج عن تفكك الأسرة يُعد تجربة قاسية على الأطفال صغارهم وكبارهم، والتأقلم مع ما بعد مرحلة الطلاق الذي قد يستمر لمدة عامين أو أكثر وما ينتج عنها من انتقال الأطفال للعيش مع أحد الأبوين وغياب الآخر من حياته اليومية أو التنقل بينهما، وكذلك التأقلم مع زوجة الأب أو زوج الأم أو الأقرباء الذين سيعيش الأطفال معهم بعد الطلاق، كل هذه التجارب تُعد صعبة وتحتاج إلى تأقلم من الطفل ومساعدة ممن حوله على تخطيها.

 

ردة فعل الأبناء

صالح محسن أستاذ الطب النفسي بكلية طب  بجامعة صنعاء يقول ان أطفال ما قبل المدرسة3 إلى5سنوات يشعرون بالحزن لطلاق الوالدين وينتابهم الغضب والقلق ويصبحون أقل استقرارا نفسيا, ويظهر ذلك في صورة فرط الحركة ونقص الانتباه والعزلة وعدم اللعب مع الأصدقاء والسلوك المضطرب معهم. وغالبا ما ينتابهم النكوص إلى مرحلة عمرية أصغر, فيصبحون أكثر اعتمادية ويتبولون في فراشهم أو يمصون إصبعهم وتنتابهم الكوابيس الليلية المخيفة. أما الأطفال في المرحلة ما بين6-8 سنوات فهي أصعب مرحلة للتكيف مع طلاق الوالدين خاصة للأبناء الذكور, وذلك لأن غياب الأب يفقد الابن نموذج الذكر الثابت الذي يمكنه أن يتوحد به ويظل قدوة له, وهناك خطورة أن يظل متوحدا بالأم وهذا قد يجعله عرضة للإصابة بشذوذ الميول الجنسية ما لم يتواجد في حياته بعد الطلاق نموذج لرجل يجسد له القدوة الذكورية, بينما تتوحد البنات بالأم فتقل المشكلة بالنسبة لهم, ويكون التفاعل في هذه السن هو البكاء والشعور بالرفض تجاه الأب الذي ترك البيت, ويحاولون إخفاء تلك المشاعر الحزينة إذا كانت الأم عدائية تجاه الأب, ويقل اعتبارهم لذاتهم ويشعرون بعدم القبول والحب, ويتأخرون دراسيا.

أما الأطفال من9 و12 سنة فينتابهم الحزن ولكن يمكنهم أخذ جانب أحد الوالدين ضد الآخر, بل ويلومون هذا الآخر, ويصبح الأبناء الذكور أكثر عدوانية ولا يتعاونون في البيت ويقل إنجازهم الدراسي, أما البنات فيكن أكثر طاعة للأمهات, ولكن كلا من الذكور والإناث من الأبناء ينتابهم القلق مع مخاوف من الوحدة ومشاعر الضعف والعجز, وقد تنتاب بعضهم أعراض جسمانية متكررة مثل الصداع وآلام البطن. أما المراهقون فإن تعاملهم مع طلاق الوالدين أفضل من الفئات العمرية السابقة, خاصة إذا كانت شخصيتهم قد تبلورت ولهم أصدقاء واستقلالية شخصية, ويمكنهم مساعدة والديهم على تجاوز صدمة الطلاق, ولكن قلة منهم قد ترتبط وتعاني مشاعر الغضب وإخراجها في تصرفات غير لائقة في صورة علاقات مع الجنس الآخر, والبعض منهم قد يصبح مكتئبا ومنسحبا من الأسرة والأصدقاء, وقد يفشل في علاقات مستقبلية في الزواج.

 

مراجعة الطب النفسي

كما تقول الدكتورة ولاء ياسين لابد وان نعترف ان الطلاق له أثر سيئ في اضطرابات السلوك لدى الأبناء وعامل فاعل وأساسي في ذلك ولكنه ليس بالسبب الوحيد و مما لاشك فيه إننا نحن المجتمع النامي بحاجة إلى مراكز نفسية واجتماعية متخصصة تؤهل من هم مقبلون على الزواج ولم يعد ذلك نوعا من الرفاهية وإنما صار ضرورة ملحة من ضروريات العصر بارتفاع معدلات الطلاق ارتفاعا ملحوظا .

تضيف الدكتورة صار الطلاق وكأنه رفاهية اجتماعية بلا تقدير إننا نخلق للمجتمع أبناء يحملون بين جنباتهم مشاكل نفسية لا حصر لها ونحن لابد وان نعلم ان خريجي التخصصات النفسية والاجتماعية جاء الوقت ليمارسوا دورهم بجدية لم يعد هناك مجال لان نترك الباب مفتوحا على مصراعيه هكذا وان كانت محكمة الأسرة قد خلقت بابا من الأمل ولكن نحن بحاجة ان تدعم الدولة بجهودها مراكز نفسية واجتماعية لعلاج المشكلات الأسرية على يد متخصصين اجتماعين ونفسيين.

دراسات عليمة

تؤكد الدراسات العلمية والطبية أن الأبناء الذين عاشوا في أسر منفصلة يفتقدون فيها للأم الأصلية أو الأب الأصلي يعانون من مشاكل نفسية وجسمية أكثر من الأبناء الذين يواصلون عيشهم تحت سقف بيت واحد مع والديهم.

و الأطفال الذين يعيشون في بيئة عاطفية متزنة يتمتعون بصحة نفسية أكبر بكثير من الذين يعيشون في بيئة مضطربة (شجار وخلافات مستمرة)، إلا أن عيش الطفل في أسرة مضطربة أفضل ألف مرة من العيش بدون والديه.

وهناك دراسة علمية قام بها باحثون بريطانيون بمقابلة (152) طفلاً تتراوح أعمارهم بين(9) سنوات (14) سنة ومتابعتهم لمدة تصل إلى عامين دراسيين، حيث وجدوا أن الأطفال الذين ينتمون إلى آباء مطلقين يكونون في الغالب بحاجة إلى مساعدة نفسية حتى يتقبلوا أمر انفصال والديهم.

وأكدت النتائج – أيضاً – أن هؤلاء الأبناء أكثر عرضة للإصابة بما يعرف “سايكوماتيك” وهي الأمراض الجسمية ذات المنشأ النفسي، كما لوحظ أن أداءهم في المدرسة أقل مقارنة بالأطفال الذين يعيشون في أسر مستقرة.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى