تحليلاتعناوين مميزة

“الدب الروسي” يلتهم “العسل العربي”.. ورطة “تحالف الشرعية”

1 5كتب | رئيس التحرير.

 اعتقد أن أكثر من عشرة أشهر من الحرب التي يخوضها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، تحت ذريعة إعادة الشرعية ، والقضاء على ما يسمونه بـ”الانقلاب” والتحالف “الحوثي الصالحي”، كفيلة بأن يفهم الخليجيون أنهم يشنون حربا ويخوضون المعارك في المكان الخطأ، وأنهم وقعوا في الفخ الذي نصب لهم من قبل أصدقائهم وأعدائهم معا.

 

فـ”الشرعية” وهي الشماعة التي يقاتل “تحالف الخليج” باسمها، على اعتبار أنها إحدى مواليد المبادرة الخليجية للتسوية 2011م، ليست مبررا لهذا التحالف أن يرمي ثقله السياسي والاقتصادي والعسكري من أجلها، خاصة، وأن المبادرة الخليجية كان الهدف الأساسي منها، هو إعادة ترتيب الأوضاع في اليمن، والاحتفاظ به كحديقة خلفية لـ”المملكة السعودية”.

المبادرة الخليجية، وحسب الاتفاق وآليتها المزمنة، تنتهي بإعلان مخرجات الحوار الوطني، والتي على ضوئها تشكلت حكومة شراكة وطنية لتسيير المهام، حتى إقامة انتخابات رئاسية وبرلمانية، لكن ما حدث بعد الإعلان عن مخرجات الحوار الوطني، هو أن طرفا سياسيا تمسك بالحكومة “الإصلاح”، وطرفا ثانيا بالرئاسة “المؤتمر”، وأطرافا أخرى، وجدت نفسها في الشارع ومنها “أنصار الله”، والذين بحثوا عن أنفسهم في الشارع، وخرجوا بثورة تصحيحية بعد إقصائهم.

ومن هنا يتبين أن “إعادة الشرعية” وهي حجة التحالف، تبدو واهية، فالواقع والأحداث، تؤكد أنه لم يعد هناك شرعية للمبادرة الخليجية، بسبب مخالفات القوى السياسية المعنية لها، ولا وجود لشرعية دستورية أيضا، بسبب تجميد المبادرة له، وإعادة صياغته ضمن مخرجات الحوار الوطني، وهو ما يجعل “الشرعية” التي يزعم التحالف أنه يخوض الحرب من أجلها، كـ”قميص عثمان”، لضرب الهدف الحقيقي وهو المشروع الإيراني الذي لا يتعدى وجوده في اليمن، أكثر من “وهم” صنعته وسائل الإعلام، فقط، ورغم إدراك القوى السياسية اليمنية، أن لا وجود لهذا المشروع في الواقع، إلا أنها سارعت في استغلال الخوف الخليجي من هذا “البعبع” الخرافي، وجعلت منه وسيلة لكسب ود الخليج، واستمالة قادته في صفهم، لممارسة الضغط على الدول العشر، وبما يتيح الفرصة لهم للصعود إلى سدة الحكم، على حساب المكون الجديد لثورة فبراير.

ربما ما كانت تفعله القوى السياسية اليمنية، تفعله دون إدراك أو حسبة صحيحة، أو أنها ظلت تمارس سياساتها بنفس العقلية التي  يبدو أنها ترسخت وتجذرت فيها من نظام “صالح” و”هادي”، بالاعتماد على صراع سياسي محدود، وابتزاز الخليج لضرب الخصوم في الداخل، وهو الخطأ الكارثي الذي ارتكبته هذه القوى، وربما نتيجة الفكر القاصر والمحدود، لتلك القوى اليمنية، والتي لم تكن تدرك أن هناك معركة دولية تسعى لإعادة تقسيم الثروة والجغرافيا في الشرق الأوسط بشكل عام.

في المقابل فإن غياب الاستراتيجيات الواسعة، وانعدام الخبرة في إدارة الأزمات لدى قادة الخليج، لم يمنحهم الفرصة لاستدراك خطر اتخاذ القرار العسكري في هذه المرحلة الحرجة والمتشعبة بملفات تحملها القوى العظمى، والتي تريد لإقفال ملفات وإعادة ترتيب ملفات أخرى.

حسابات ومصالح “الحليف” الأمريكي لـ”الخليج”، دفعته لاتخاذ قرارات عدة في هذا السياق، وكان في أولوية السياسة الأمريكية، إقفال الملف النووي الإيراني، بسبب حاجة الأمريكان لانخفاض السوق العالمية للنفط، والتي ستؤثر سلبا على الدب الروسي، وهو ما قد ينعكس عليه من أضرار اقتصادية تدفع الدب الروسي للانحسار والابتعاد عن “أوكرانيا” وملفات أخرى شائكة، في “سوريا” و”العراق” و”ليبيا”، ودخول “إيران” الحليف القوي لـ”روسيا”، في الشرق الأوسط، في لحظات غرام نووية مع الأمريكان قد تربك وتضاعف من الأزمة الروسية.

قبل إقفال الملف النووي سلميا، ورفع الحصار عن “إيران”، كان الأمريكان يدركون أن هم بحاجة إلى كبش فداء، لإلهاء حلفائهم في الخليج عن “إيران” تحاشيا للضغوط التي قد يمارسها الخليجيون كما كان يتم في السابق، ولذلك فإن إدارة “اوباما” اتفقت مع “إيران” وبرؤية موحدة لجر “الخليج” لخوض معركة في اليمن، فبعد سيطرة ثوار (21 سبتمبر) على صنعاء، انهالت التصريحات الإيرانية، بأنها العاصمة الرابعة التابعة لها، كما استغلت إيران الأزمة الاقتصادية للحكومة اليمنية، وسارعت لإغراء القادة الجدد وإنقاذهم من تلك الأزمة وبمساعدته بكل ما تحتاج الحكومة، وعلى هذا الأساس تم إرسال وفد إلى إيران للتوقيع على اتفاقيات، لم تكن أكثر من مجرد حبر على ورق، لم يطبق منها إلا ما كانت تراه “إيران” بأنه سيعجل من إشعال فتيل الحرب، خاصة، مع الحملة الإعلامية الضخمة لزيارة الوفد اليمني لـ”طهران” والبدء بأول خطوة وفتح خط طيران مباشر بين “صنعاء” و”طهران”، الأمر الذي استطاعت من خلاله “إيران” إيصال “الخليج” إلى قناعة الخطر القادم من اليمن، وساعدها في ذلك التقارير التي كانت تقدمها القوى السياسية اليمنية حول سيطرة إيران على اليمن عبر الثوار الجدد.

بعد نجاح “إيران” في تقديم الطعم للخليج، جاء الدور الأمريكي الذي أعطى الضوء الأخضر لتحالف الخليج لشن الحرب على اليمن، وسارع إلى تأمينهم بالغطاء الدولي في مجلس الأمن، ومساعدتهم بالمعلومات العسكرية والإستراتيجية، وأوهمهم بأن هذه الحرب تعنيهم بالدرجة الأولى وهو ما جعلهم يعلنون بدء العمليات القتالية من العاصمة الأمريكية “واشنطن”.

بعد دخول تحالف الخليج في دوامة اليمن، تفرغ “حلفاء النووي” لإقفال ملفهم بهدوء، فتم التوقيع على الملف النووي، ورفع العقوبات والحظر، وحتى عندما كان يشعر طرفا “النووي” بأي تقارب سياسي بين التحالف الخليجي واليمن، كانوا يسارعون إلى تصعيد المعركة، فمثلا عندما أدرك الأمريكان أنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت في المفاوضات، سارعوا إلى إصدار شرعية دولية، وبالمثل لم تكن إيران تتوقف عن استفزاز الخليج وتوريطهم أكثر، فتارة بإعلان سفينة مساعدات إيرانية إلى اليمن، يرافقها أسطول بحري، أتضح في الأخير بأنها تحمل موادا غذائية منتهية الصلاحية، وتارة أخرى، قامت بإرسال طائرة إلى الأجواء اليمنية وستهبط دون إذن التحالف، ورغم أن لا سفينة وصلت ولا طائرة حطت، فإن التهديد والوعيد الإيراني للخليج  لم يتوقف، وكل ذلك، بهدف زيادة المخاوف أكثر لدى الخليجيين.

استمر التحالف في تدمير اليمن، ومازال، في حين أعلن عن اتفاق للملف النووي ورفع الحظر والحصار عن إيران، وبالرغم من كل ذلك، لم يدرك الخليج خيانة حليفه الأمريكي، وأن عدوه الحقيقي انتصر عليه، وأدخله في مستنقع سيدفع ثمنه باهظا.

ربما أن ما لم يدركه تحالف الخليج في المستقبل والعواقب الذي تنتظر المنطقة بأسرها بعد إقفال الملف النووي الإيراني، أدركه الدب الروسي، والذي استشعر الخطر والانعكاس الاقتصادي السلبي، وبعد قراءاته الصحيحة لكل المعطيات، تحرك إلى “سوريا” على اعتبار أنها بوابته لحماية اقتصاده والدخول في تقاسم ثروة الخليج، من خلال قلب الطاولة على الأمريكان، وإعادة “إيران” إلى مربعه، من خلال تأمينه لحلفائها كما يتم حاليا في “سوريا” وقريبا في “العراق”، فالدب الروسي، يدرك أيضا، أن سيطرة حلفاء أمريكا على “سوريا” أو “العراق” سيجعلهم يمدون خطوط النفط والغاز من الخليج إلى أوروبا عن طريقها وهو ما يهدد الاقتصاد الروسي الذي يعتمد على النفط والغاز الذي تصدره إلى أوروبا، ولذلك فإن الدب الروسي لم يدخل المعركة في سوريا إلا بعد قراءة صحيحة وبدون أي تهور كما هو حال تحالف الخليج في تورطهم في اليمن.

تصريح “العسيري” باستعداد التحالف المشاركة البرية في سوريا، خاصة، بعد فشل “جنيف3” السوري، ما هو إلا استشعار من التحالف بأن معركة اليمن فخ دولي لتصفيات ملفات عالقة بين القوى العظماء، وأن الخليج لم يسلم من المؤامرة الأمريكية – الروسية،  وأن التهور الخليجي قادهم إلى الدخول في حرب في المكان الخطأ، وأنهم يطاردون عدوا وهميا، فلا “إيراني” واحد فقط، قتل في اليمن، وأن طائراتهم وصواريخهم وبوارجهم لم تقتل إلا الأطفال والنساء وتدمر مؤسسات اليمن فقط.

مازالت الفرصة سانحة، ليدرك التحالف الذي تقوده السعودية، أن إقفال الملف اليمني، من خلال إيقاف العدوان، والرجوع إلى طاولة الحوار، خاصة، في هذه المرحلة التي وصلوا إليها، سيكون في مصلحتهم أكثر مما هو في مصلحة اليمن الذي لم يعد هناك ما يخاف عليه بعد تدميره، في حين أن “الشبح الإيراني” الذي كان يطارده التحالف في اليمن، بات حقيقة في “سوريا”، والتي يتحدث عن نيته المشاركة في حربها، وهو ما قد يصطدم بالمصلحة العسكرية الروسية التي ستسارع إلى دعم القوى اليمنية في الداخل، وفقا لما تفرضه حسابات التصفية السياسية والعسكرية، والتي تمنح الروس التفرغ لإكمال ما بدأه فيما يتعلق بالملف السوري والعراقي، فـ”الروس” لن يتوقفوا إلا بعد أن يحققوا هدفهم، ويحظوا بنصيبهم من الذهب الأسود في الخليج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى