تحليلات

لماذا خشيت إسرائيل من تنفيذ عمليةٍ عسكريّةٍ ضدّ غزّة عُقب استهداف مؤتمر نتنياهو الانتخابيّ بأسدود؟

الهوية ـ رأي اليوم:
إسرائيل تُعاني من مُعضلةٍ في إيجاد الـعلاج لتهديد المُقاومة الفلسطينيّة من قطاع غزّة: العملية البريّة، التي باتت تقُضّ مضاجِع صُنّاع القرار في تل أبيب، وتحديدًا من المُستوى الأمنيّ-العسكريّ، الذين يعرفون أنّ الكيان قد لا يحتمِل نتائج هذه العمليّة وتكلفتها من ناحية القتلى والجرحى وإعطاب العتاد العسكريّ من قبل المُقاومين، الذي يُحارِبون الجيش النظاميّ الإسرائيليّ بأسلوب حرب العصابات، ومن هنا تُضاف مشكلة أخرى، ذلك أنّه من الصعب، إنْ لم يكُن مُستحيلاً، أنْ يتمكّن الجيش النظاميّ من حسم المعركة مع تنظيماتٍ تعتمد حرب العصابات.
وبناءً على ذلك، ورغم التحفز الإسرائيليّ للعملية البريّة من قبل المستوى السياسيّ والأحزاب والرأي العام، يُبدي المستوى العسكريّ العملياتيّ تحفظًا كبيرًا في الذهاب إليها، لمعرفته اليقينية بوجود جملة مخاطر كثيرة على دخول الجيش إلى غزة برًّا، ومن أهمها: أولاً، أنْ يُستهدَف الجنود عند اقترابهم من الأحياء السكنية بالقنابل والتفجيرات والعمليات الاستشهاديّة. ثانيًا، استهداف قوات المشاة التي لا بُدّ أنْ تتخِّذ لها في غزة حيّزًا مكانيًا تتوقف فيه بشكلٍ ثابتٍ للتحقيق مع مَنْ يُلقى القبض عليه. ثالثًا، تلغيم الأرض من قبل حماس بالقنابل والمتفجرات، وتفخيخ بعض المنازل، واستهداف الدبابات والناقلات بصواريخ مضادّةٍ قد تؤدي لخسائر في صفوف الجيش. رابعًا، كيفية التعامل مع المقاتلين الفلسطينيين، مع عدم ضمان سقوط ضحايا مدنيين، ممّا قد يثير ردود فعل واسعة ضدّ إسرائيل في المحافل الدوليّة والأمم المتحدة. خامسًا وأخيرًا، إنّ إسرائيل تدخل المعركة البريّة وهي ليست في أفضل وضع من الناحية الاستخبارية، ومعرفة ماذا يجري في غزة، خاصّةً تحت الأرض، ولا يوجد حتى الآن ما يدُلّ على حصول تراجعٍ في قوّة حماس العسكريّة، بل بالعكس، إذْ أنّ كبار القادة في جيش الاحتلال، كما لفتت صحيفة (هآرتس) العبريّة، أكّدوا على أنّ حماس والجهاد الإسلاميّ تقومان بتطوير ترسانتهما العسكريّة بمُساعدةٍ إيرانيّةٍ من ناحيّةٍ، وبالإنتاج الذاتيّ للأسلحة من الجهة الأخرى.
وفي هذا السياق ذكرت صحيفة (معاريف) العبريّة أنّه بعد أنْ اضطر رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، قطع خطابه الذي ألقاه بأسدود قبل حوالي أسبوعين في أعقاب إطلاق صاروخين على المدينة، عقدت مشاورات أمنية، وكان الردّ الإسرائيليّ بعدها روتينيًا، لكن بعد مرور عدّة أيامٍ نشر مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هارئيل مقالاً كشف فيه النقاب عن أنّ نتنياهو طلب أنْ يكون هناك ردّ فعلٍ استثنائيٍّ، مُشدّدًا، اعتمادًا على مصادره الأمنيّة بتل أبيب، على أنّه فقط بسبب تحفظ القيادة الأمنيّة والمستشار القانونيّ للحكومة أفيحاي مندلبليط، فإنّ العملية لم تُنفّذ.
بالإضافة إلى ذلك، أكّدت معاريف العبريّة أنّ مصدرًا إسرائيليًا رسميًا مُطّلعًا على تفاصيل السبب، كشف لها أنّ التقدير المنطقيّ كان أنّ تنفيذ العملية سيؤدّي إلى تصعيدٍ بحجم عملية عمود السحاب التي جرت عام 2012، وحتى عملية واسعة داخل القطاع، بحسب تعبيره، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّه في نهاية المطاف قرر نتنياهو عدم تنفيذ الخطة ولم يصدر أمرًا للجيش بتنفيذها، إلّا أنّ تسلسل الأمور ترك رواسب كثيرة داخل المؤسسة الأمنية.
عُلاوةً على ذلك، نقل المصدر أيضًا للصحيفة العبريّة أنّ التقدير المنطقيّ كان أنّ تنفيذ العملية سيؤدّي في المرحلة الأولى إلى إطلاقٍ مكثفٍ للنيران من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، وهناك احتمال كبير بأنْ تكون باتجاه وسط البلاد أيضًا، على حدّ تعبيره.
وتابعت الصحيفة العبريّة قائلةً إنّه وفقًا لعدّة مصادر في المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة فإنّ السيناريوهات المنطقيّة أخذت بالحسبان أنّ التصعيد الذي سيحدث في أعقاب عملية الجيش سيكون بحجم عمليةٍ مثل عملية عمود السحاب وحتى التدحرج إلى عمليةٍ بريّةٍ في القطاع، وقدّرت المصادر الرفيعة بتل أبيب أنّ تصعيدًا كهذا لن ينتهي بجولةٍ قصيرةٍ تستمِّر عّدة أيامٍ بل كان سيمتد عمليًا حتى موعد الانتخابات التي جرت في الأسبوع الماضي، أيْ السابع عشر من أيلول (سبتمبر) الجاري.
ورأت المصادر بتل أبيب أنّ قرار تفعيل خطةٍ كهذه نابع من اعتباراتٍ مُختلفةٍ مُرتبطةٍ أيضًا بدرجات الرد التي يطلبها المستوى السياسي أوْ يوصي بها الجيش، إضافةً إلى المشاكل القضائيّة والسياسيّة، أضاف المصدر، أنّهم في المؤسسة الأمنية شددوا أيضًا على أنّ العملية مرتبطة بخطواتٍ جهوزيةٍ إضافيّةٍ لمواصلة التصعيد المتوقع في أعقابها.
لذلك، اختتمت المصادر الإسرائيليّة قائلةً إنّ توقيت العملية والعجلة في تنفيذها يتطلبان على الأقّل جلسةً جديّةً في (الكابينت) السياسيّ-الأمنيّ، حيث تعرض الجهات الأمنية موقفها وليس أقل أهميةً: مدى جهوزية الجيش في جداول المواعيد القصيرة لاحتمال تدهورٍ أمنيٍّ سريعٍ، ومن هذه الناحية، خلُصت المصادر، عملوا في المؤسسة الأمنيّة بشكلٍ مُناسبٍ عندما أوضحوا أهمية اجتماع (الكابينت) قبل المصادقة على العملية، كما قالت لـ(معاريف).
ومن المُهّم الإشارة إلى أنّ قادة تل أبيب باتوا يُقِّرون بأنّ سلاح الجوّ لم يعُد يحسِم الحروب، ولكن في الاتجاه الآخر، رغم التهديدات صباحًا مساءً باجتياح غزّة، لم تجرؤ هذه الدولة المارِقة على إخراج تهديداتها إلى حيّز التنفيذ، الأمر الذي يؤكِّد وجود نوع من ميزان الردع بين الكيان والمُقاومة القطاع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى