تقارير

نصر استراتيجي وهزيمة مدوية

 

الهوية – صنعاء.

انتهت عاصفة الرمال بإعلان السعودية هزيمتها مهما حاولت تجميلها وتزيينها … هزيمة مدوية، وباستثناء الخونة والعملاء وحزب الإصلاح، اثبت من خلالها الشعب اليمني صلابة وقدرة على المواجهة والمحافظة على القيادة والسيطرة.

منذ اليوم الأول للعدوان حمل الإعلان عنه بذور هزيمته. فمن يسعى إلى استئجار جيوش واستدراج عروض لشن حرب على شعب فقير، لكنه معروف بشهامته وغيرته ودفاعه عن أرضه، من يسعى لذلك لن ينجح أبدا. فضلا عن إثبات القوات السعودية عجزها عن التقدم البري، فقد تكرست صورة السعودية كمملكة إجرام وعدوان وسفك لدماء الأبرياء ناهيك عن عجزها وضعفها.

وربما أن معيار الانتصار أو الانكسار ليس بحجم الدمار، المعيار الحقيقي يقاس بمدى تحقيق الأهداف المعلنة أو غير المعلنة على أرض المعركة، مما لا شك فيه أن “عاصفة الحزم السعودي” رفعت سقف أهدافها إلى الحد الأقصى، إلى الحد الذي أدرك معه القيمون عليها استحالة تحققها حتى قبل بدء العدوان، فمنذ متى تعاد شرعية بلد أو يعاد رئيس إلى سدة الرئاسة في بلد ما على ظهر دبابة أو طائرة أجنبية، أليس الطريق الوحيد لإضفاء الشرعية هو الشعب اليمني وصندوق الاقتراع، وليس آلة الحرب السعودية مهما عظمت؟!.

هدف إعادة “الشرعية” و”السيادة” التي تراها السعودية للشعب اليمني، وليس التي يراها الأخير لنفسه، لم يتحقق منه شيء، فمنصور عبد ربه هادي لم يعد إلى صنعاء، ولا حتى إلى عدن، وليس هناك أمل بعودته أصلا، بعدما انتهى مستقبله السياسي بخيانته العظمى لأبناء شعبه وبلده، ومصيره أن يبقى قابعاً في قصور آل سعود في الرياض، تملى عليه الأوامر “التخريبية”، وما عليه سوى “الطاعة” لولي نعمته بكتابة مقال هنا، أو توسل هناك، سيما بعد أن افتضح أمره، وظهر جلياً أمس في بيان إعلان انتهاء العدوان أنه لم يكن سوى شماعة للعدوان، حينما تذرع البيان بأن بدء العدوان وانتهاءه كان بطلب من الحكومة اليمنية، ما يعني باللغة القانونية، أن السعودي يتنصل من كل جرائمه التي ارتكبها في العدوان ويلصقها بعبد ربه منصور هادي. كما أن ذلك يعبر عن نكتة سمجة وهي ألهذا الحد حرص آل سعود على تلبية مطالب هادي. ثم من يطلب من هادي يطلب من سلمان؟؟!!.

واللافت أن المتحدث العسكري لـ”عاصفة الحزم” لم يجد وهو يتلو بيانه، أي نصر يتفاخر به سوى سفك دماء الأبرياء، فراح يتباهى بعدد الغارات الجوية، رغم إدراكه أن سلاح الجو لا يحسم معركة، بل ذهب إلى حد التباهي بقصف أسلحة وصواريخ “باليستية”،  حتى خيل إلينا أن “الحوثيين” يمتلكون أسلحة دمار شامل، بينما الأحداث أظهرت أنهم يمتلكون سلاحاً أقوى من أي سلاح مادي، يمتلكون إرادة صلبة وعزما لا يلين. وأنهم أهل الحزم والعزم والصبر والصمود والثبات، فيما أظهر المعتدون أنهم مجدداً أشباه رجال يهربون من الالتحام بالميدان ويستقوون على الأطفال والأبرياء، يصبون جام غضبهم عليهم، بوحشية وهمجية لا تضاهي سوى وحشية وهمجية أسيادهم في “تل أبيب” والبيت الأبيض.

في المحصلة، فإن هدف اقتلاع “الحوثيين” من العاصمة صنعاء وبعض المدن انخفض إلى حده الأدنى الذي ارتضى فيه “أصحاب الحزم” بالترويج لأوهام القضاء على “تهديد” الأمن السعودي وأمن الجوار بتدمير صواريخ “الحوثيين” والجيش اليمني، دون تفسير ما علاقة تدمير الجسور والمدارس والمستشفيات والمطارات والبنى التحتية بتهديد الأمن السعودي. ثم أي تهديد يتحدثون عنه، فلو كان هذا التهديد موجوداً فعلاً ألم تكن الحرب أفضل ذريعة لرد الصاع صاعين، فالقدرة موجودة، والشعب اليمني معروف ببسالته وإبائه، وكلنا شاهدنا ما الذي حصل عندما تحركت إحدى القبائل على الحدود السعودية؟. ثم ألا يظهر تبرير انتهاء العدوان حصراً بـ”إزالة التهديد” على المملكة ودول الجوار، بأن العدوان كان لمصالح سعودية بحتة لا علاقة لها بكل الشعارات والحملات الإعلامية التي سوقت بأن “العاصفة” ستنقذ  اليمن، أو ستعيد “الشرعية” إليه وسواها، من عناوين براقة حاولت استمالة بعض أطياف الشعب اليمني لزجه في المشروع  السعودي للهيمنة على البلد.

أبعد من ذلك، أين ما حققه العدوان مما روج له الإعلام السعودي المأجور وأذنابه، حينما هلل وصفق للعدوان على اليمن، وبنى عليه آمالا وأوهاما في استعادة “الأمن العربي” والحفاظ على “البحر الأحمر العربي”.. وإنهاء “العربدة الإيرانية”، و”لجم نفوذها”..، وسواها من مفردات مدلولها واحد “عروبة بالمفهوم الإسرائيلي”، عروبة تتمثل بشعار “الاعتدال العربي” الذي يردده آل سعود، لتحويل أنظار العرب والمسلمين عن الأعداء الحقيقيين، وحرف البوصلة عن فلسطين باتجاهات أخرى، تعويضاً عن إخفاقاتهم المتكررة وسياستهم “الهوجاء” في ملفات المنطقة، فهم بدل أن “يقطعوا إصبع إيران” في اليمن كما ادعوا ببداية العدوان تلقوا صفعة قوية في نهايته حينما أقروا مرغمين بعد ثلاثة أسابيع بدورها الإقليمي والدولي، برز ذلك جلياً بأن الإعلان عن إيقاف العدوان السعودي على اليمن جاء من طهران على لسان مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قبيل ساعات من تحققه الفعلي. ما يؤكد مجدداً بأن آل سعود لا يدركون أنهم يضيعون أوقاتهم وأموالهم في اللهاث خلف الكبار، والتلهي بألاعيب الصغار، وبأوراق محروقة، وإلا فأين عروبتهم وأين “حزمهم” من قانا وغزة وجنين، بعدما بدا أن “مخالب الاعتدال العربي” قنابل وصواريخ مكدسة تستخدم حصراً بوجه أهل العروبة الحقيقيين اليمنيين وليس بوجه الصهاينة المحتلين في فلسطين.

ومن الأهداف التي رددها إعلام آل سعود أيضا، وروج لها “الخطر على مضيق باب المندب”، اليوم أين هذه الأهداف ولماذا غابت عن أجنداتهم بعد انتهاء العدوان، فأين خطر اليمنيين على دول الجزيرة العربية، والبحر الأحمر، وخطوط الملاحة والتجارة الدولية المارة بهذا المضيق وبرأس الرجاء الصالح، وأين المشكلة الإستراتيجية التي يسببها اليمنيون للعالم كله، ألم يتضح بعد أن كل ذلك ليس سوى رافعة للعدوان من أجل تجييش وكسب ود الشارع العربي والأنظمة العربية المترددة في دعم العدوان، والتي بقيت “متخوفة” ولم تدخل فيه خشية من حصد نتائجه السيئة، ليترك السعودي وحيداً يجني هزيمة وفشلاً ذريعاً في العدوان على اليمن، وهو ما سيرتد سلباً على الإدارة الحاكمة في آل سعود سيما في ضوء الخلافات والأجنحة المتصارعة داخلها.

إذن، انكسر “الحزم” السعودي على أعتاب اليمن، وتحول “الحزم أبو العزم أبو الظفرات” إلى “خيبة وهزائم وحسرات”، لذا فمن حق الشعب اليمني اليوم أن يحتفل بالنصر، لأنه نصر المستضعفين، نصر كتب بدماء وآلام وتضحيات آلاف الشهداء والجرحى، دون إطلاق رصاصة واحدة، هم واجهوا آلة القتل السعودي بثبات وصبر، وكانوا على يقين بأن موعدهم النصر وكان النصر موعدهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى