مساحات رأي

اليمنية التي فاقت الخنساء

عباس الديلمي
لقبت بـ”الخنساء” لطول أرنبة أنفها، اما اسمها فـ”تماضر بنت عمرو السلمية.. اشتهرت منذ العصر الجاهلي “بلقبها” كشاعرة من ابرز الشواعر وخاصة في فن الرثاء الذي حصرته على اخيها- غير الشقيق- صخر، ومن المفارقات ان تلام الخنساء في عصرها “ادركت الاسلام وعاشت حتى عهد الخليفة عمر بن الخطاب” وتعرضت للوم الناقد في عصرنا.. وقد ظلمت في الحالتين..هناك من لامها في عصرها، انها فضلت- في مراثيها- اخاها صخر.. غير الشقيق- على اخيها الشقيق معاوية اللذين قتلا في الجاهلية، وهناك تفسيرات وتبريرات لموقفها من اخويها، ليس هنا مكان لسردها.
اما في عصرنا فقد تعرضت للوم والنقد كونها تفرغت لرثاء اخيها صخر والبكاء والنوح عليه حتى ماتت وقالت في رثائه مالم يقله شاعر ولا شاعرة في رثاء وفقد اخ وابن وقريب.. ولم تقل شيئاً في رثاء ابنائها الاربعة الذين قتلوا في معركة واحدة هي معركة القادسية التي وقعت في العام السادس عشر للهجرة.. وكما اثار موقفها هذا تساؤلات في عصرها، فانه في عصرنا قد اثار تساؤل ونقد الكثير ومنهم كتاب وادباء كبار منهم الشاعر فاروق شوشه والدكتورة والاديبة الكبيرة بنت الشاطئ رحمها الله، فقد استغربت من أمٍ تثكل ابناءها الاربعة بقتلهم في معركة واحدة، ولا تقول فيهم بيتاً شعرياً واحداً، وهي التي ملأت الدنيا بشعرها في رثاء اخيها صخر ثم تساءلت الدكتورة بنت الشاطئ عن ذلك الموقف بقسوة وهي تقول: ترى هل هذا شذوذ من الخنساء في عاطفة الامومة؟!!.
هنا نتوقف ونقول: لقد ظلموا الشاعرة الخنساء، بدلاً من ان يقدروا ويعظموا ويكبروا موقفها ذلك، الا انه موقف يبعث على الفخر والاعتزاز بالخنساء ومن سيقف موقفها حتى لاموا وهذا ما نقوله بثقة متناهية، خاصة ونحن نقف امام الشاعرة الخنساء بتأمل ومن زوايا متعددة، ونختصر ايضاح ذلك بالقول:
لأن الخنساء آمنت واسلمت وحسن اسلامها، ولأنها تجعل الدفاع عن الارض والعرض والتصدي للاطماع الاجنبية، ورفض المذلة شيمة الانسان الحر الغيور، فقد جعلت من إخبارها مقتل ابنائها الاربعة في معركة القادسية بشرى وأمنية، حيث قالت: “الحمدلله الذي شرفني بقتلهم، وارجوا من ربي ان يجمعني بهم في مستقر رحمته” هذا رأت في استشهاد ابنائها شرف لها ومكرمة لهم، في سبيل الله والذود عن الارض والعرض، بل ان الشاعرة الخنساء من وجهة نظر المتأمل يرى فيها المرأة العظيمة، والأم الغيورة، والشاعرة التي ترى في الاستشهاد في سبيل الحرية والارض والعرض، وما يفوق قدراً قصائد الرثاء وما يدعوا الى الفخر والتشرف، لا الى البكاء والنواح والتحسر واللوم..
هكذا يفهم المتأمل موقف الخنساء في عدم الرثاء والنوح على ابنائها الاربعة، وهو ما يبعث على العزة والعلم والايمان بالنصر، وهذا ما تجسده اليوم اخواتنا من امهات شهدائنا في ميدان الدفاع عن الوطن وسيادة شعبه، ورفض الهيمنة والتبعية والتصدي للعدوان واطماعه واذنابه.. واقول هذا عن تجربة مررت بها فعندما ذهبت لعزاء شقيقتي عند استشهاد ابنها فتح عبدالوهاب ملأتني صموداً عندما قالت لي: (خير له الموت في الجبهة دفاعاً عن ارضه وعرضه من ان يموت في بيته وهو يرى من ينتهك عرضه وكرامته كما يحدث في المناطق التي نجسها المحتل السعودي والاماراتي) (الموقف نفسه لمسته منها قبل ايام عندما ذهبت لمواساتها في ولديها الجريحين).
بكلماتها تلك شعرت بالعزة والفخر الذي عبرت عن شيء منه في قصيدة (ام الشهيد) التي خاطبت فيها ام الشهيد وليس الشهيد الذي هو اسمى من قصائدنا ومثل هذا الموقف واعظم منه ما نراه في امهات واخوات وزوجات شهدائنا في جبهات الشرف والعزة وهن يستقبلن شهدائهن بالزغاريد واطلاق الاعيرة النارية والكلمات المبتهجة بشرف الشهادة من اجل الارض والعرض..
ختاماً اذا ما تجلت عظمة الشاعرة الخنساء في ذلك الموقف فان هذا ما يتجلى يومياً في اكثر من خنساء يمنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى