تحليلاتخاص الهويهعناوين مميزة

هل حلت “لعنة رايس” على اليمن الفيدرالية “مشروع وطني ” أم “خيانة عظمى” ؟!

ليس على لسان اليمنيين هذه الأيام غير سؤال الحوار والأقاليم، في هذا البلد الذي كان بلد البن والعنب والعقيق ، فصار كل شيء فيه غير عما كان، وما من يمني، إلا ويبادرك : هل تعتقد أن الحوار سيكون ناجحا؟،وهل سيتم تقسيم اليمن إلى أقاليم فعلا؟ في أحايين كثيرة يفضل البعض ، السكوت رحمة بحال البسطاء وببلد يحبونه ويحبون كل تناقضاته ، ويكتفون بالقول ” الله يستر” ، وفي أحايين أخرى تجد من يحاول أن يتفلسف ويحلل وفي النهاية يستنتج أن لا شيء يلوح في الأفق، وفي الحقيقة نحن نتمنى مثل أي يمني أن يسمع الله منا جميعاً وأن يطفئ كل نار يحاول البعض جاهداً إشعالها في بلد لا تحتمل أي شرارة من أي نوع.
في النهاية ، لا أحد يدري ما يخبئ لنا المستقبل، و لكن من يتابع الأحداث و كيف بدأت مشاكل اليمن وخلافاته السياسية و كيف تطورت لتصل القمة, سيلاحظ الآن كيف أخذت تلك الأحداث منحى الانحدار, فالكل يريد التهرب من مسؤوليته تجاه ما وصلت إليه اليمن بسبب مخططاتهم التي فشلوا في تحقيقها، لنجد في النهاية من يرى في خيار الفيدرالية أو الدولة الاتحادية مشروع مناهض لمحاولة إعادة تشطير اليمن وتمزيق وحدته التي أُسيء لها وشابَها العديد من رتوش النظام السابق، الذي ما فتر وهو يُمجّد لها بوسائل إعلامه، غير أنه عمِل على خرابها من خلال ممارسته القمعية وتصرفاته الساذجة تجاه فصيل كبير من أبناء الشعب.
| الهوية | عبده عطاء

خريطة اليمن تظهر فيها المناطق التي استولت عليها السعودية“لعنة رايس”
أزيد من عشر سنوات مرت على إطلاق كوند ليزا رايس جملتها الشهيرة : سنصنع شرق أوسط جديد، فهل تقسيم اليمن إلى أقاليم ، هو حل يحتاجه اليمنيون ، أم انه يأتي ضمن مخطط “الشرق الأوسط الجديد”.
عموما، لن يستطيع أحد أن يحصي الأحداث التي غيرت منطقة الشرق الأوسط في العقد الأخير بعد كل تلك العواصف و الأمطار في شتاء قارس امتد سنين و سنين أتى الربيع العربي في العام 2011 حاملا معه رايات الحرية و الديمقراطية لتتفتح أولى أزراره في تونس و تتبعها مصر, فاليمن, فليبيا, ثم ليحط هذا الربيع رحاله منهكا في سوريا دون أن يعرج على دول التعاون الخليجي التي طغى على مناخها الطابع الصيفي الجاف دون أن يتجرأ أي ربيع سواء كان عربيا أم غربيا على المساس به.
فيما يخص منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي تحديداً فقد أعلنت الولايات المتحدة وعلى لسان وزيرة الخارجية كونداليزا رايس أن الإدارات الأميركية السابقة أخطأت خلال الستين عاماً الماضية عندما دعمت أنظمة ديكتاتورية وشمولية في العالم العربي، الأمر الذي ساهم في نشوء منظمات أصولية «إرهابية».
ولذلك تركزت الجهود الأميركية منذ عام 2004 على تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير «لنشر الحريات والديمقراطية وتغيير المناهج الدينية وتحرير المرأة».
ولكن كل هذه الشعارات الكبيرة انهارت عندما بدأت عملية التطبيقات العملية على أرض الواقع.

 

“الشرخ الأوسخ”
الجنرال هيو شلتون الرئيس الأسبق لهيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي ، تحدث عن مخطط أمريكا للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط وتكريس مشروع الشرق الأوسط الكبير وإضعاف دول المنطقة وتفتيتها.
وتشير بعض الدراسات المسربة من داخل دهاليز البنتاجون إلى وجود مخطط يقضي بتفتيت الدول العربية قبل 2015م ، ووفقا للتحليلات الميدانية المدعمة بتقارير نفذتها معاهد وجامعات سياسية ومراكز عسكرية ، ويكفي أن من شارك فيها يصل لجيش جرار ، يتكون من 4 وحدات بحث تضم 120 خبيرا استراتيجيا سياسيا وعسكريا معظمهم أمريكيين.
وتعول تلك الدراسات والأبحاث الأمريكية على التباين الأيدلوجي والفكري والعرقي والطائفي ، والعمل على تجذيره لخلخلة الثقة بين مواطني كل بلد في المنطقة.
وإذا كانت معظم هذه الدراسات المسربة تراهن على تحقيق النجاحات المتتالية خلال فترات قصيرة، فإنها تعزو ذلك إلى وجود التباين المجتمعي المشار إليه .
ولم تكتف واشنطن بهذا فقط، ولكنها وعبر مخططيها الإستراتيجيين تستقطب أسماء وشخصيات سياسية وعسكرية ورجال أعمال ولوبيات محددة موثوق بها من قبل شعوبها داخل البلدان العربية ، والهدف معروف طبعا وهو تسهيل المهمة الأمريكية ومساعدة واشنطن بطرق مباشرة وغير مباشرة لتحقيق الهدف، وهو تفتيت الدول العربية والخليجية تحديدا وتحويلها إلى دويلات متناهية الصغر ، إلى أن ينتهي الهدف بالقضاء على جيوشها في آن واحد .
ربما، المخططون الأمريكيون وبعد فترة من التواصل مع الشخصيات العميلة لهم في دول المنطقة، نجحوا في إشغال الأنظمة بمشكلات داخلية متجددة، لتسهيل عملية الإجهاز عليها ، ومن ثم اختتام مخطط تدميرها، وهذا من السهل تلمسه في الوضع الراهن، فالدول العربية معظمها وإن لم يكن كلها تعاني من فكرة التقسيم أو الرغبة في التقسيم ، فالعالم العربي أصبح يعاني في الواقع من مشكلة التحول من الدول المركزية إلى دويلات.
ومن الطبيعي أن يستعين مخططو تقسيم الوطن العربي بالقنوات الفضائية المتخصصة و مواقع التواصل الاجتماعي.
في دغدغة عواطف الشعوب وتأليبها على حكامها ، ليكون ” الربيع العربي” هو بداية مخطط التقسيم .

 

” لت سياسي”
بات من الواضح أن الفيدرالية ستكون أهم مخرجات الحوار المرتقب صدورها في الأسابيع القليلة القادمة، فالحديث عن فيدرالية تُقسّم اليمن إلى مجموعة أقاليم ، هي أكثر ما يلوكه أعضاء مؤتمر الحوار ، وكل فصيل في الحوار سارع لاقتناء خارطة اليمن والبدء بتقسيمها على أساس مناطقي، وأحيانًا عنصري وقبلي.
أبرز القوى السياسية أقرت مبدئيا إنهاء الدولة اليمنية البسيطة وإنشاء أقاليم في ‏دولة اتحادية، كذلك الرئيس هادي ورئيس الحكومة ،المحا إلى ذلك.
الأمر الذي يثير العديد من ‏علامات الاستفهام حول هذا “الحل” ويعتبره الكثير من المراقبين تمزيقاً سواءً متعدد ‏الأقاليم أو لإقليمين على أساس شطري. ‏
حاليا، يدور جدل واسع بين القوى السياسية على مختلف مستوياتها حول نظام الأقاليم – الذي يحظى بقبول البعض فيما يرفضه آخرون وبشدة ، وهذا السجال السياسي سبقته حملة إعلامية مكثفة تعبر عن رؤى الأحزاب والقوى المشاركة في مؤتمر الحوار عبر لجانها المعتمدة والتي أوشكت على الانتهاء من مهامها حيث رجحت بعض المصادر : بأن ثمة توجه لقبول صيغة نظام الأقاليم ليشكل النظام السياسي القادم ، كما أن ثمة مؤشرات واضحة المعالم إلى توجه النظام نحو إنشاء وتقوية جهات ومنظمات وأحزاب سياسية تقبل التعامل المباشر معه على أساس أن يكون وضع الجنوب في أقاليم عدة وليس إقليما واحدا ، ويبدو أن العديد من فعاليات العمل السياسي تعرض نفسها للقيام بهذا الدور ، وقد شجعها أكثر تلك الإشارات التي يبعث بها النظام بين الفينة والأخرى بمحاسن تعدد الأقاليم في النظام الاتحادي.
نائب الأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني اليمني ياسر الرعيني ، كان أعلن قبل أيام ، أن اليمن يسير باتجاه دولة اتحادية (فدرالية) تضم أقاليم عدة، وقبله ، أكد نائب رئيس مؤتمر الحوار، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني ،الدكتور ياسين سعيد نعمان، تقسيم اليمن لإقليمين بحكومتين برلمانيتين، حيث نقلت مصادر مقربة منه ، قوله: “شرقوا أو غربوا، فاليمن من إقليمين”.
وكان الدكتور نعمان، عقد عدة اجتماعات خلال الأيام الماضية مع المبعوث الأممي جمال بنعمر وسفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، وأكد خلال تلك الاجتماعات أن القضية الجنوبية لن تحل إلا بفيدرالية من إقليمين .
حسب ما أوردته، صحيفة الأمناء الأسبوعية .

 

“عجن جنوبي”
يرى سياسيون من الجنوب أن خطورة الأقاليم تهدف إلى السيطرة على الجنوب مرة أخرى والحد من الانتفاضة الجنوبية التي تسعى إلى استعادة دولة الجنوب , فيما يرى الشماليون تقسيم الجنوب هو الضمان الأكيد لبقائهم في الجنوب والتصرف بثرواته، وكانت صحيفة “اليوم الأول” تحدثت عن ما اسمته، أسباب رفض قوى شمالية للفيدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي، كان طرح في مؤتمر الحوار اليمني كحل أولي للقضية الجنوبية يعقبه استفتاء على تقرير المصير من قبل الجنوبيين.
ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية قولها ” إن قوى في الشمال اليمني أعلنت رفضها للفيدرالية من إقليمين بعد مخاوفها من حصول الجنوبيين على الاستقلال بعد مرور السنوات التي وضعت للفدرالية كمرحلة انتقالية يعقبها استفتاء على تقرير المصير للجنوب… مشيرة إلى أن الشمال اليمني رفض بقاء الجنوب في إقليم واحد.
وقالت المصادر إن مراكز القوى النافذة في الشمال طرحت عددا من الشروط من بينها عدم السماح ببقاء الجنوب في إقليم.
وكذا عدم فصل الدين عن السلطة لما قالت تلك القوى انه قد يشكله ذلك من إضعاف شديد لمراكز نفوذها وتأثيرها مستقبلا.
وطالبت تلك القوى السياسية والقبلية التي تسيطر على مراكز القرار في صنعاء بعدم تفتيت المحافظات الشمالية إلى أكثر من إقليمين نظرا لما قالت انه سيشكل ذلك من إضعاف للمركز وسيطرته على المحافظات.
وهددت تلك القوى بالحرب في حالة تم إقصاؤها أو إبعادها من سيطرتها على الثروة والإبقاء على ملكيتها للمركز ( العاصمة صنعاء) والحقول النفطية في الجنوب.
ودفعت تلك المخاوف إلى استقطاب شخصيات جنوبية منضوية في الأحزاب اليمنية إلى الترويج لمشروع الإقليم الشرقي الذي يجري الترويج له من قبل تلك الشخصيات التي تعمل لصالح أحزاب يمنية ترفض إعطاء الجنوب حق تقرير المصير الذي تطالب به قوى يمنية في الشمال.
وعمدت شخصيات جنوبية موالية لأحزاب صنعاء للترويج للإقليم الشرقي وإقليم عدن الذي من المتوقع الإعلان عنه قريبا بحسب ما ذكرته المصادر.
ووسط هذا الكم الهائل، من ” اللت والعجن “، يرى كثيرون أن مفهوم الأقاليم لا يختلف كثيرا عن ما هو سائد الآن من حكم محلي منزوع الصلاحيات – وما سيتمخض من مخرجات مؤتمر الحوار هو بمثابة تغيير في التسمية فقط من إطار حكم ( الجمهورية اليمنية ) المركزي إلى ما هو متداول الآن وهو ( حكم اتحادي ) من إقليمين ( شمال – جنوب ) يتبناه البعض أو أقاليم عدة، كما ينادي به آخرون حيث سيظل المركز مهيمناً عليها من حيث مركزية ( الإيرادات والثروة ) بين إبطيه، لأن أصحاب النفوذ ، قطعا، لن يفرطوا في مصالحهم وسيدافعون عنها باستماتة في سبيل الإبقاء عليها دون مساس.

 

“موجة تشاؤم”
ارتفاع الأصوات المطالبة بالفيدرالية، رافقها ارتفاع في وتيرة الانتقادات اللاذعة التي تهاجم دعوات الفيدرالية وإنهاء الدولة البسيطة في ‏اليمن مطلقين أوصافاً ساخرة من المبشرين بهذا الاتجاه، وذلك مع توجه قوى ‏مشاركة في “مؤتمر الحوار الوطني” إلى إقرار هذا التقسيم ، فالكاتب السياسي والصحفي سامي غالب ، وصف الفدرالية بأنها “دين جديد”، وقال إن ‏‏«الفدرالي اليمني، على الأغلب الأعم، هو الجيل الجديد من “الوحدوي الفوري” الذي كأنه ‏‏المناضل اليساري والقومي في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي:‏ هو تبشيري، يميل ‏إلى الوعظ وهداية القوم الضالين إلى الدين الجديد، وهو، بالتالي، أخروي ‏يعد مواطنيه بجنان ‏وفراديس من دون أن يقول بالضبط كيف، إنه بطريقة ما “نبي” (مدعي ‏نبوة بالأحرى) ‏يتوجب تصديقه وإتباعه.
لا يهتم بالتفاصيل ولا يعنيه جدول أعمال “اليوم ‏التالي”، اليوم التالي ‏لتقويض فكرة “الدولة” في “يمن المبادرة الخليجية”».‏

 

“خيانة عظمى”
أما الكاتب محمود ياسين فقد وجه تساؤلاً إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي، ‏معتبراً أن موافقته على التقسيم إلى أقاليم يعتبر خيانة، وقال: “يشعر بعضنا انه بحاجة ليقول ‏للرئيس: أهذا قسمك الدستوري بحماية البلاد؟ أي حكمة سياسية في مراضاة الحراك وتفويت ‏فك الارتباط بمقترح فكفكة البلاد إلى أقاليم؟”.‏
مضيفاً في المقال الذي نشر على صفحته في الفيسبوك، “هذا خطر للغاية ولن ‏تخضع الأقاليم كما تعتقد فخامتك لفيدرالية حول الدولة المركزية.. ذلك أن الأقاليم ستكون ‏الوعاء الأمثل لكل النزعات البغيضة وستتفتت اليمن لنستيقظ يوما بلا وطن”. ‏
مؤكدا: “أن يتبنى رئيس الدولة مشروعا كهذا فذلك يدفع بعضنا للإحساس بهلع ذلك الجندي ‏الذي يراقب الحل على هيئة تمزيق كل الذي قاتل من اجله يوما، ولقد عرف تاريخ العالم أن ‏الأقاليم قبل الدولة وليس بعدها.. وبعد عشرين عاما من الوحدة في دولة بكل ما فيها من ‏سلبيات يكون الحل هو أقلمة البلد الذي سيترتب عليه إفناء هذا الكيان وإبادة اسم اليمن لتتحول ‏لذكرى نسردها بأسى ذات يوم”. ‏

 

وأضاف ياسين: “لقد حاول اغلبنا التبرؤ من مقولة “الوحدة أو الموت” لنسمح بالمقابل بتقسيم ‏البلد وفقا لمزاج فشل سياسي لم يعد لديه غير هذا التقسيم فرارا من تبعات مسئولية الحل ‏والقرار.. وأي حل هذا الذي نجد فيه خريطة جديدة لمجموعة كتل بينها حدود في إطار حدود ‏يمن قديم كان يوما يقع جنوب الجزيرة العربية”. ‏
مؤكداً أن “هذا الحل يرقى لمستوى الخيانة حيث نجد روائح المناطقيين والسلاليين ‏والسلاطين وأمراء الحرب تنبعث من أجزاء كانت يوما وطننا وأصبحت كيانات مناطقية ‏تحت مسمى الحل.. الحل الذي لا نجد فيه اليمن”. وختم: “يشبه الأمر أسلوب بعض القبائل ‏البدائية التي لا تجد حلا في الأخير غير قتل الأم المريضة ومن ثم الاقتتال على رفاتها”.‏

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى