تحليلاتعناوين مميزة

مغناطيس “الزعيم” لجذب “الإصلاح” معركة “الصرخة” “صالح” أدمن «لعبة التناقضات» والمناورة بـ”الألغام” التي زرعها هل تبدو اللعبة اليوم أكثر تعقيدا مع “أنصار الله”؟

houthi-rebels-yemenالهوية| خاص.

باتت “الصرخة” الشعار القوي والمدوي الذي يطلقه “أنصار الله” في كل الجبهات والميادين، وبما يؤكد أن “أنصار الله” المكون اليمني الذي أصبح “رقما صعبا” في المعادلة السياسية والعسكرية وفي كل المجالات الحياتية، وربما أن هذا ما يفسر شعور حزب المؤتمر بالخطر مستقبلا، والذي بات يخطط لتحالفات جديدة من خلال “مغازلة” حزب الإصلاح، في محاولة من المؤتمر جعل “الصرخة” بمثابة المغناطيس السياسي لاستقطاب قواعد الإصلاح، كما سبق وفعل حين استقطب التيار السلفي عندما كان الإصلاح يحاول قمعه إبان تحالفه مع “صالح”.

لطالما حاول إعلام مؤتمر الزعيم، تقديم نفسه أنه من يقف في وجه “الصرخة”، ويزداد الأمر حدة في مواقع التواصل الاجتماعي، وما يلاحظ هو أنه في الفترة الأخيرة، كثفت الآلة الإعلامية لـ”مؤتمر الزعيم”، من نشر أو تسريب الأخبار المتعلقة بمقاومة المؤتمر ورفضه لـ”الصرخة”، وذلك من خلال ترويج الإشاعات والدعايات وتسريبها لإعلام التحالف السعودي، وحزب الإصلاح خصوصا، والتي يحاول “مؤتمر الزعيم” التسويق من خلالها أنه يخوض معارك صامتة مع “أنصار الله”، وأنه يقف في مواجهة “الصرخة”، ومن هذه التسريبات التي يقوم بها “مؤتمر الزعيم” أن الحوثيين يسعون لتعديل المناهج الدراسية، لإدخال الأفكار الخاصة بالجماعة طائفياً، مبررين ذلك، باتهام الإخوان بالتأثير على المناهج الدراسية بصيغتها الحالية، إلا أن “مؤتمر الزعيم” رفض هذه المزاعم، كما حذر من أي خطوة من هذا النوع، تهدد بمزيد من الانقسامات المناطقية والطائفية في المجتمع.

هذه الأخبار التي يتم تسريبها من قبل مطابخ “مؤتمر الزعيم” تأتي ضمن رزنامة الدعايات المتعلقة بالمعارك التي يخوضها في مواجهة “الصرخة” في المساجد والمدارس، والترويج عن وجود خلافات حادة مع “أنصار الله” حول “الصرخة” بالتحديد، وسبق لقيادات في المؤتمر أن دعت قواعد الحزب إلى استهجان “الصرخة” واعتبارها تقليد أعمى، واستهتار واستخفاف باليمنيين.

وربط مراقبون بين معارك “الصرخة” التي يروج لها “مؤتمر الزعيم”، وإعلان “صالح” أمس الأول، لدى لقائه وجهاء واعيان وقيادات وأعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي من أبناء مديرية بني حشيش محافظة صنعاء، عن إمكان إجراء حوار مع “ما يسمى الحكومة القابعة في الرياض أو في عدن أو في أي مكان، وقال:”هؤلاء أبناؤنا وإخواننا سنتحاور معهم ونتفاهم وبينا إحنا وإياهم لغة مشتركة”.

ومن الأهمية بمكان أنه لا يمكن إغفال أن التصريحات الأخيرة لـ”صالح” ظهرت بصورة منفردة بعيدا عن قرار المؤسسات الحاكمة. يضاف إلى ذلك تعارضها مع الخطاب الذي تتبناه سائر القوى السياسية في الداخل والتي سحبت بساط الشرعية من حكومة عملاء الرياض خصوصا بعد تشكيل المجلس السياسي حكومة الإنقاذ الوطني، والتي توصف بلغة القانون والسياسة بأنها الشرعية الوحيدة وما دونها زوائد طارئة.

“زعيم المؤتمر” الذي ظهر متناقضا ومتخبطا في تصريحاته الأخيرة، أعاد التذكير بحالة التناقض، ومغازلته لـ”الإخوان” في خطاب له في( 27 يونيو 2016) وقال:«الإخوان حزب سياسي ليست لدينا مشكلة معه، لكن لدينا مشكلة مع التيارات الإسلامية الأخرى».

وفي ذات الخطاب وصف ما يدور في اليمن بالعدوان من قبل إسرائيل وبريطانيا وأمريكا. وفي نفس الوقت حاول مغازلة الولايات المتحدة الأمريكية بقوله: «ليس في مصلحتنا معاداة أمريكا».

وربما أنه ومن خلال الرحلة الطويلة لرئاسة وحكم “صالح” بتشابكاتها الأمنية والعسكرية والاجتماعية، تمكن من إعادة تدوير سيرته الذاتية وفقاً لمعطيات المرحلة، في مرات عدة، مثل ثعبان يبدل جلده في كل مرحلة، أو كما وصف هو ذلك، بأن “حكم اليمن كالرقص على رؤوس الثعابين”، وكثيرا ما اضطر “صالح” للمناورة بين الألغام التي ساهم في زراعتها، أو تلك التي زرعت له، مستثمرا التناقض في كل الأحوال، لكنها لم تتجلى من قبل كما هو المشهد الحالي لتصعد إلى أعلى صورها، متمثلة في مغازلته لـ”الإخوان” في محاولة منه لاستعطافهم والتمهيد لجرهم إلى التحالف الذي يخطط لتشكيله مستقبلا لمواجهة الحوثيين، حلفاءه اليوم، حيث يعتقد “صالح” أن معركته مع “الصرخة” كافية لجذب “الإخوان” حوله ضد الحوثيين الذين لم يدخل “صالح” عاصمتهم “صعدة” وما يحيط بها إلا كعدو، فقد حاربهم 6 مرات فيما عرف بـ(حرب صعدة) حينما كان رئيسا. ولعل هذا ما يبرز أكبر التناقضات التي تشكل حياة “زعيم المؤتمر” في المشهد المأسوي الذي أوصل إليه اليمن حاليا.

ويسود في أوساط الباحثين والمهتمين ما يشبه الإجماع على أن “سياسة التوازنات واللعب على التناقضات” هي السمة التي ميزت حكم “زعيم المؤتمر” على مدى 33 عاما من الحكم، كما يرجع الكثيرين منهم، سبب بقائه كل تلك المدة الطويلة في الحكم إلى اعتماده تلك السياسة.

وخلال أربع سنوات فقط منذ العام 1978م وحتى عام 1982م، ظهرت أولى ثمار تلك السياسة، حينها كان نشاط ما يعرف بـ” الجبهة الوطنية” في المناطق الوسطى والمدعومة من نظام الجنوب، يشهد ذروة نشاطه، حينها استعان “صالح” بـ”الإخوان” في حرب المناطق الوسطى.

وبقيام الوحدة اليمنية، تعرضت علاقة “صالح” مع “الإصلاح” لبعض الضرر عدة أشهر، ثم سرعان ما عادت إلى سابق عهدها وأكثر خاصة مع تصاعد الخلافات بين شريكي الوحدة واتجاههما للحسم العسكري الذي تفجر في حرب صيف 94م.

في عهد حكم “صالح”، غابت السياسة «الحقيقية»، فأخذ الدين مكانها، فبعد انتهاء حرب صيف 1994م، بدأت مرحلة جديدة من التوازنات، إذ لم تمض إلا عامين على تلك الحرب لتشهد البلاد تحولا استراتيجيا، فالتحالف المدعوم سعوديا، بين حزب المؤتمر بزعامة “صالح” مع “الإخوان” (الإصلاح)، انفرط عقده. وبرز اللقاء المشترك للمعارضة، الذي ضم الإسلاميين والقوميين (ناصريين وبعثيين) واليساريين (الحزب الاشتراكي).

ولأن “صالح” شغوف باللعب على التناقضات المذهبية، فإنه وبعد خلافه مع “الإخوان”، حاربهم بـ”الزيدية”، فأفسح المجال لأقطاب هذا المذهب لبناء المزيد من المدارس الدينية والمساجد، إلى أن اندلعت حروب صعدة الست في عام 2004م، والتي سبقتها حسابات «مفهومة» لـ”صالح” الذي كان غض الطرف، عن المدارس الدينية السلفية ذات الفكر الوهابي. وكان غريبًا، أو ربما مفهوما أن أكثرها تشددا كان في صعدة، معقل “الزيدية”.

ثم كان أن لعب “صالح” لعبة التناقضات الخطرة، فسمعنا عن تأسيس «منتدى الشباب المؤمن» في صعدة أيضا عام ١٩٩٠ «للحفاظ على المذهب الزيدي وتدريسه». ثم كان أن زاحمت الانتماءات الطائفية تلك القبلية وانشغل الناس عن تردي أحوالهم المعيشية وعن استبداد الحاكم بمعاركهم الصغيرة (بعضها حول مسائل خلافية عمرها أربعة عشر قرنا).

والمثير أن “صالح” الذي أدمن «لعبة التناقضات» ولعبها لعقود بكل مهارة، اجتمع ضده كل المتناقضين في ثورة فبراير 2011، تلك الأيام من ٢٠١١، الحوثيون، والحراك الجنوبي، والإخوان.

يخطئ من يعتقد أن استحضار الدين إلى ساحة السياسة، أو بالأحرى استخدام المشاعر الدينية لخدمة التمكين السياسي، كان حكرا على هذه الجماعة أو تلك، فهكذا فعلت كل سلطة أيضا، ولم يكن “صالح” ببعيد عن ذلك. يذكر المعنيون كيف جرى تأسيس «هيئة الفضيلة» في يوليو ٢٠٠٨ على نهج «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وكيف رحب بها علي عبد الله صالح، رغم رفض الأحزاب والنخب السياسية والثقافية والاجتماعية لها. وكانت الهيئة التي منعتها الطبيعة المسلحة لأفراد الشعب أن تصبح بقوة مثيلتها السعودية قد خرجت من رحم «جامعة الإيمان» التي أسسها الشيخ عبد المجيد الزنداني عام ١٩٩٣.

وفي العام ذاته بنى “زعيم المؤتمر” الذي كان الآمر الناهي في دولة تعد من الدول «الأفقر» في العالم مسجده «الأضخم» على مساحة تتجاوز الـ ٢٢٢ ألف متر مربع، وبتكلفة تزيد على ١١٥ مليونا من الدولارات. ثم كان أن أسماه «جامع الصالح». ولم يكن من المستغرب أن يشاركه مراسم الافتتاح وفود رسمية من الدول العربية «الشقيقة».

الشاهد أن “صالح” لم يتوقف في كل مراحله عن اللعب على التناقضات والاستفادة منها، لكنها هذه المرة، وحسب عديد مراقبين، تبدو صعبة جدا عليه، فهو سبق أن استخدم حزب الإصلاح في ضرب شريك الوحدة وهو الحزب الاشتراكي كما استخدم الحركة الحوثية والسلفيين وتيار الصوفية في تحجيم الإصلاح، ونجح في شق بعض الأحزاب واستنساخ أخرى، لكن اللعبة ليست دائما موفقة.

اليوم، تبدو اللعبة أكثر تعقيدا. ولعلها تحتاج لحسابات ومقاربات جديدة ومختلفة عن أسلوب الاستفادة من التناقضات بين الثعابين واستخدام بعضها ضد الآخر ثم تصحيح التوازنات والتحالفات. مقاربات تتعلق بالمشاركة في السياسة والتنمية وغيرها، أو الخروج من بوابة البقاء للأقوى، وليس هناك اليوم أقوى من “أنصار الله” الذين باتت “صرختهم” مدوية، ولها صدى في الداخل والخارج.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى