عناوين مميزةمساحات رأي

ما هي هوية اليمن الجديد؟ وهل يتحالف الإصلاح و”أنصار الله”؟

download (6)

عبد الباري عطوان

الرئيس اليمني هادي يجلس على “كرسي من نار” وسلفه صالح “يرقص” فوق رؤوس الثعابين.. ترى كيف سيكون حال عبد الملك الحوثي لو حكم اليمن؟ وما هي هوية اليمن الجديد؟ وهل يتحالف الإصلاح و”أنصار الله”؟

يختلف اليمنيون، سلطة وشعب، على كل شيء تقريبا باستثناء أمر واحد، وهو صعوبة حكم بلادهم، وهذا ما يفسر حالة الاضطراب التي تعيشه مؤسسة الحكم بشكل مزمن، وتعرض أكثر من رئيس يمني، سواء في الجنوب أو الشمال للاغتيال.

الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني قال “ركوب الليث أصعب من حكم اليمن”، فما كان من الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي استمر في الحكم لأكثر من ثلاثين عاما إلى “نحت” تعبير مماثل ملخصه “ان حكم اليمن مثل الرقص على رؤوس الثعابين السامة”، ويوم أمس أراد الرئيس الحالي عبد ربة منصور هادي إلى النزول إلى المعترك نفسه، ووصف تجربته القصيرة جدا في الحكم (عامان تقريبا) بقوله في اجتماع للنخبة السياسية من وزراء وقادة أحزاب ونواب “أنا جالس على كرسي من نار، وأحاول إطفاء الحرائق من حولي”.

بعد استيلاء قوات “أنصار الله” الحوثية على العاصمة صنعاء، بدأ اليمن مرحلة تاريخية جديدة، انقلبت فيها كل المعادلات السياسية والقبلية والعسكرية القديمة، دون ان تتبلور معادلات جديدة تحل محلها.

اليمنيون، أو معظمهم، يعيش هذه الأيام حالة من الصدمة أعجزتهم عن الإجابة عن العديد من الأسئلة، مثل لماذا انهار الجيش اليمني بهذه الطريقة، وكيف سيطر “أنصار الله” وهم الذين لا يملكون خبرات قتالية تقليدية كبيرة من السيطرة على العاصمة وكل مؤسسات الحكم دون ان يخسروا إلا أعدادا قليلة من قواتهم وفي مواجهة جيش جرار؟

الرئيس اليمني عبد الله منصور هادي الذي خضع للأمر الواقع وقبل باتفاق تسوية من 17 بندا هندسه السيد جمال بن عمر مبعوث الأمم المتحدة، لبى معظم مطالب “أنصار الله”، ان لم يكن كلها، تحدث أمس عن “مؤامرة” لها شقين، احدهما داخلي، والآخر خارجي، تحالفت فيها قوى كثيرة من أصحاب المصالح التي فقدت سلطتها، أو من الذين جعلتهم ثاراتهم الشخصية يثارون من الوطن، قبل ثأرهم من الأشخاص ومن الانتهازيين الذين نراهم.

الرئيس هادي يشير بأصبع الاتهام إلى رئيسه السابق علي عبد الله صالح الذي عمل نائبا له، دون أي صلاحيات باستثناء البروتوكولية منها، لأكثر من عشر سنوات، ولكنه لم يسمه بالاسم.

الرئيس علي عبد الله صالح، ومثلما تؤكد تقارير يمنية عديدة، الذي حارب الحوثيين ست مرات، قتل في أحداها والد الزعيم الحالي عبد الملك الحوثي، عقد صفقة مع أعدائه القدامى من اجل الانتقام من أعدائه الأحدث، الذي يتهمهم بالوقوف خلف الثورة التي أطاحت بحكمه، أي حركة الإصلاح الإسلامية التي يتزعمها أبناء الشيخ عبد الله الأحمر شيخ قبائل حاشد، والشيخ عبد المجيد الزنداني ابرز مرجعياتها الدينية.

والاهم من ذلك، انه ومن خلال هذا التحالف، ومثلما تقول التقارير نفسها اضعف النفوذ القطري التركي في اليمن، لمصلحة تفاهم إيراني سعودي تجلى بوضوح في اللقاء الذي عقد في نيويورك بين الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الشائعات والتحليلات كثيرة في العاصمة اليمنية هذه الأيام، وبعضها يقول ان رجال الرئيس علي عبد الله صالح في الجيش اليمني هم الذين وقفوا خلف عدم تصدي الجيش اليمني للقوات الحوثية التي سيطرت على صنعاء بعد ان تحكمت في جميع مداخلها الأربعة، بل يذهب البعض إلى ما هو أكثر من ذلك بالتأكيد على ان جنرالات الجيش الموالين للرئيس السابق هم الذين اقتحموا مقر اللواء علي محسن الأحمر خصم الرئيس السابق اللدود والعدو الأبرز لتيار “أنصار الله الحوثي”.

صنعاء تعيش حاليا حالة من الهدوء في ظل سيطرة القوات الحوثية على جميع المقرات الحكومية ومحطات الإذاعة والتلفزيون والبنك المركزي، ولكن هناك من يعتقد انه الهدوء الذي قد يسبق عاصفة قادمة تتجمع غيومها في السماء.

اليمنيون اثبتوا حكمة غير موجودة في دول عربية كثيرة عندما احتكموا دائما للحوار وتجنبوا الاحتكام للسلاح، فالرئيس هادي بدأ أمس تطبيق بنود اتفاق السلام، وعين مستشارين له احدهما من التيار الحوثي والآخر من الحراك الجنوبي، وخفض أسعار المحروقات احد مفجرات الأزمة الحالية.

السيد عبد الملك الحوثي الذي يتحكم حاليا بكل شيء باستثناء الاستيلاء على الحكم وتنصيب نفسه رئيسا، اظهر بدوره بعض الحكمة عندما قال في خطابه انه يمد يده إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح (الاخوان المسلمون) مطالبا بالشراكة، بدلا من الإقصاء، وغازل الحراك الجنوبي باعترافه “بضرورة رفع المظالم عن الجنوب والتعاطي مع أبنائه على قدم المساواة وعلى أساس مبدأ الشراكة في الحكم”.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عما إذا كان حزب الإصلاح سيتعاطى مع هذه المبادرة بايجابية أم سيرفض هذه اليد الممدودة له، وفي حالة الرفض الذي يرجحه الكثيرون في صنعاء وخارجها، ما هي البدائل، ومن الذي سيقدم الدعم المالي والعسكري طالما ان السعودية التي دعمت دائما أسرة الأحمر، وأقامت علاقات وثيقة مع زعيمها الشيخ الراحل عبد الله الأحمر، غيرت سياساتها، وأعلنت الحرب على حركة “الاخوان المسلمين” في كل مكان وليس اليمن فقط؟

سؤال آخر يتوالد من السؤال الأول ويكمله، وهو عما إذا كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح في طريقه إلى قصر الرئاسة مجددا كثمرة للتفاهم السعودي الإيراني المتصاعد، والدعم الذي يحظى به من “أنصار الله” الذين حاصروا مقر إقامته لتوفير الحماية له؟

كثيرون في النخبة السياسية اليمنية يستبعدون هذه العودة للرئيس السابق بأي شكل من الأشكال، ولكن هؤلاء استبعدوا أيضا استيلاء التيار الحوثي على محافظتي صعدة وعمران ومعظم محافظتي حجة والجوف وكل العاصمة صنعاء تقريبا.

الأمر المؤكد ان اليمن بصيغته القديمة يحتضر ان لم يكن قد توفى فعلا، ومن الصعب التكهن بهوية اليمن الجديد الذي سيأخذ مكانه، فكل الاحتمالات واردة، بما في ذلك فوضى السلاح والحرب الأهلية والتفتت، والمخرج الوحيد من هذه الصورة التشاؤمية هو حدوث تحالف بين التيارين الأهم في البلاد أي التيار الحوثي وتيار الاخوان المسلمين، وتقاسم السلطة بينهما والحراك الجنوبي، ولكن هذه الصيغة تبدو اقرب إلى التمنيات في نظر الكثيرين.

ومثلما قلنا في بداية المقال حول صعوبات حكم اليمن من وجهة نظر حاكمين وشاعر، نعود ونضيف، بأن التوافق هذه الأيام بين التيارات المتصاعدة ربما أصعب من أي وقت مضى في ظل الأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية بأسرها، وتصاعد حالة الاستقطاب والتطرف الطائفي، والتدخلات العسكرية الإقليمية والأجنبية.

اليمن يقف أمام مفترق صعب، وربما لا نبالغ إذا قلنا انه الأصعب في تاريخه الحديث، ويستحق من أبنائه التمسك بتراثهم العظيم في الحكم والتبصر، ويستحق من محبيه، ونحن منهم في هذه الصحيفة، الدعاء بالوصول إلى بر الأمان وحقن الدماء.

“رأي اليوم”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى