مساحات رأي

كيف استطاع العرب ترويج كذبة الأمن القومي؟

  • راني ناصر – كاتب فلسطيني

مفهوم الأمن القومي وجُد لإعطاء الدولة حق الردع ضد أي تهديد لمواطنيها ومؤسساتها ومصالحها الداخلية والخارجية. ففي الدول المتقدمة إجمالا ً تبدأ فكرة الأمن القومي بمفهوم حماية المواطنة المرتكزة على مؤسسات مدنية تُأمن تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية، وتٌصان بقانون ودستور لا يمكن تجاوزه من قبل أي كان. من هنا يبدأ بناء المواطن بتسليحه بالحرية الفكرية، والتعليم المتميز، وتقديم الخدمات الاجتماعية بشتى إشكالها لضمان استثمار الكفاءات البشرية وتسخيرها لبناء الوطن وتقدمه.

الأمن القومي يرتكز على قاعدتين رئيسيتين: مؤسسات مدنية، ومؤسسة عسكرية. المؤسسات المدنية تقودها نخب سياسية منبثقة عن صناديق الاقتراع لنسج مشروع وطني يحدّد الاهداف والمصالح الاستراتيجية داخل حدود الوطن وخارجه. أما المؤسسة العسكرية فهي معنية بضمان حقوق وكرامة ومصلحة المواطن، حيث أن الدفاع عن المواطن لا يقل أهمية عن حماية الوطن نفسه، لأن الأوطان تُبنى وتزدهر بشُعوبها وليس العكس. فعلى سبيل المثال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، باشر الألمان ببناء دولتهم بعد الدمار الهائل الذي لحق بهم حيث خلفت الحرب خمسة ملايين قتيل وأربعة عشر مليون نازح. فقاموا ببناء مؤسسات الدولة المدنية وطي صفحة الاستبداد وسياسة الحزب الواحد إلى الأبد، لتصبح ألمانيا اليوم قوة اقتصادية وعسكرية على الصعيد العالمي، وكذلك الحال في كوريا الجنوبية التي خرجت من براثن التخلف والفقر لتصبح اليوم عملاقا تكنولوجيا خلال أربعة عقود.

من السخافة والسذاجة الحديث عن “أمن قومي عربي” في ظل غياب كيان عربي واحد لا يتوفر لديه الحد الأدنى من مقومات الدولة. فما يسمى “بالدول العربية” هي مناجم نفيسة وآبار نفط للقوى الغربية تديرها وتسوقها لجلب الخيرات والثروة لشعوبها. فالقوى الغربية قامت بعقد وثائق واتفاقيات مع الحكام العرب أدت بموجبها إلى إكساء الطغاةُ العرب الشرعية الوهمية، وقاموا باستغلال ثرواتهم ومكتسباتهم وخيرات الأمة التي يفترض أن تكون من أجل رفعة وتقدم شعوب هذه الدول مقابل الدفاع عنهم. أما من الناحية العملية فالدول العربية هي شركات خاصة ومزارع للطبقة الحاكمة، حيث أن الشعوب لديها هم مجرد عبيد. ولتعزيز هذا المفهوم، سخرت الأنظمة العربية ما يسمى “الجيوش العربية” التي لا عقيدة لها، ولا تستطيع التمييز بين العدو الخارجي ومواطنيها.

الأنظمة العربية لا تعرف الوحدة إلا عندما تهتز عروشها؛ فالجميع رأى كيف تنافس الزعماء العرب على الدفاع عن ما يسمى الشرعية في اليمن وسوريا، مع العلم أن الدول العربية جميعها فاقدة للشرعية، وفاقد الشيء لا يعطيه. الحكام العرب لم يقفوا فقط عند تدمير الوطن العربي، بل عملوا أيضا على تشويه وتقزيم الدين الإسلامي، فقدموا أنفسهم على أنهم حُماة الدين، مع العلم بأنهم يتسابقون فيما بينهم على المتاجرة بالدين وبيع المقدسات الإسلامية.

إضافة إلى ما سبق ذكره، قامت الأنظمة العربية بتفتيت وتفكيك النسيج الاجتماعي في كل قطر، وحققت ما عجزت عن تحقيقه القوى الاستعمارية من تقسيم للدول العربية وتحويلها إلى دويلات متناحرة مع بعضها بعضا على أساس عرقي، وقبلي، وطائفي، وديني، لتأمين بقاء المواطن على بعد شاسع من مفهوم المواطنة واحترام الرأي والرأي الآخر.

الحكام العرب يستخدمون أكذوبة الأمن القومي العربي لتصفية معارضي أنظمتهم ولترسيخ دولهم الاستبدادية. ولهذا فإن ما نراه اليوم من قتل وخراب ودمار وخلاف بين هذه الأنظمة وقوى المعارضة في دول الربيع العربي هو ليس نتيجة ثورة شعوبها المتعطشة إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بل هو صراع بين أنظمة دكتاتورية سلبت من المواطن العربي إنسانيته، وحاربته بكل الوسائل من أجل استعباده واستمرارها في الحكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى