مساحات رأي

كلام عن “الوحدة” و” الجنوب” و”الاستعمار”

download (49)بقلم/ محمد علي العماد

من يعتقد أن اليمن ستبقى موحدة ودولة مركزية، أو حتى موحدة بأقاليم، فإنه إما جاهلا بالتاريخ أو أنه لا يدرك ما يحدث من حوله حاليا من متغيرات دولية وإقليمية، تسير باليمن إلى أكثر من يمنين.

قبل الحرب العالمية الثانية، كان جنوب اليمن مستعمرات تحكمه الدول الكبرى، وبعد تغير موازين القوى الدولية تم إعادة توزيع خارطة المستعمرات في العالم، فضل المستعمر البريطاني الانسحاب من اليمن، بقرار بريطاني، وليس كما يحاول البعض تزييف حقائق التاريخ بأن المقاومة الشعبية في الجنوب هي التي طردت البريطانيين من جنوب اليمن، والحقيقة التي يحاول البعض طمسها هي أن البريطانيين انسحبوا من جنوب اليمن لأسباب إستراتيجية، وتم تسليم الجنوب للجنوبيين، ولذلك استمرت الحرب بالوكالة بين معسكر الاشتراكية ومعسكر الرأسمالية إلى أن تم محاصرة وتقويض الاشتراكية بالتزامن مع انهيار الاتحاد السوفيتي، والذي انعكس تأثيره على القيادة الجنوبية التي كانت تتحكم بالقرار السياسي، والتي وجدت نفسها مضطرة للهروب من الصراعات الداخلية في الجنوب إلى إعلان الوحدة مع الشمال، والذي كان حينها، محكوما من تحالف الرأسمالية “السعودية”، والذي ما لبث أن زادت أطماعه، وعلى إثر ذلك أشعلت حرب صيف ٩٠، والتي ثبت فيها تحالف الرأسمالية قبضته على توحيد اليمن دون توازن سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، وفي ظل سكوت وغياب دولي.

اليوم، ربما التاريخ يعيد نفسه، مستعمر جديد يأتي إلى جنوب اليمن، ليس بإرادة جنوبية، كما يحاول البعض مغالطة نفسه بذلك، ولكن القوة الدولية التي فرضت لطرف، في الحقيقة ليس دخولها لمحاربة “داعش” أو”القاعدة” فهذه التنظيمات هي من صنيعتها.

عملية دخول جنوب اليمن بهدف إزاحة وملاحقة عدوهم السابق في أفغانستان والشيشان ما هي إلا غطاء لاستعمارهم الجديد، والذي لن يدوم، كما حدث لمن سبقه من استعمار، كما أن رحيل المستعمر الجديد من الجنوب لن يكون بسبب رفض الجنوبيين أو هربا من المقاومة الشعبية، و إنما سيكون رحيله مرتبطا بتأثير الحرب العالمية القادمة، والتي تعيش المنطقة والعالم إرهاصاتها. فالانتخابات الأمريكية ستفضي إلى عودة الجناح الجمهوري العسكري الذي سيسارع إلى مواجهة الخطر الروسي الصيني، والذي يرى أنه يهدد الهيمنة الأمريكية البريطانية، وليس على مستوى الشرق الأوسط، ولكن على المستوى العالمي، والذي بدأ شرارته من أوكرانيا قبل أن ينتقل إلى سوريا.

ولأن التاريخ كثيرا ما يعيد نفسه، فإنه وبعد انتهاء الحرب العالمية الثالثة، ستتشكل خارطة جديدة للعالم، ومع انسحاب الغزاة من جنوب اليمن، سيشتعل صراع القيادات الجنوبية في ما بينها، ويتم إيقاد حروب الوكالة، ومع اتساع رقعة الحرب ستحدث الانهيارات ولن تجد القيادات الجنوبية حينها مفرا إلا الهروب إلى إعادة الوحدة مع الشمال، وهي العودة التي لن تكون نابعة من وازع وطني، ولكن هذا ما ستفرضه عليهم المتغيرات الدولية، والتي ستفرض وحدة يمنية كما حدث في بداية تسعينيات القرن الماضي، والتي تتوهم جميع الأطراف بأنهم من صنعوها.

ملاحظة :-

الصراعات الجنوبية الجنوبية، لم تكن بسبب الحقد الجنوبي الجنوبي، لا في السابق ولا في المستقبل أيضا فالمستعمر الجديد، سيفعل ما فعله المستعمر السابق، والذي سيعتمد على إدارة الجنوب بنفسه، وسيجعل من الجنوبيين مجرد جنود منفذين لإرادته، وفي حال انسحابه فجأة سيكون بسبب المتغيرات بعيدا عن شماعة “برع يا استعمار” ولا “مقاومة” أو غيرها، ولذلك سيكون لانسحاب المستعمر فجأة انعكاس على الصراعات الجنوبية وفيما بينهم وعلى من يحل مكان المستعمر في قيادة الجنوب، خاصة في ظل عدم وجود مؤسسات دولة والتي يتعمد المستعمر على رفض أي مؤسسة لأنه يدرك أنها قد تتحول إلى مقاومة عسكرية جنوبية ضده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى