تحليلاتعناوين مميزة

كارثة تحالف العرب مع إسرائيل

عبدالحي زلومالتغيرات في خارطة العالم النفطية والجيوسياسية التي غيرت بدورها الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط عموماً والسعودية خصوصاً؟ أليس المستجير بأمريكا الصغرى (إسرائيل)  بدل إسرائيل الكبرى( الولايات المتحدة) كالمستجير من الرمضاء بالنار؟

 

الدكتور عبد الحي زلوم*

بعض الأنظمة في العالم الثالث تظن أنه إذا مضى رئيس أمريكي وجاء آخر فسيُغير السياسة الأمريكية نحو بلادهم وهم بذلك مخطئون لأن الرئيس يدير إدارة مؤقتة ولذلك فهي تسمى إدارة  (Administration)، وهذه الإدارة تديرُ أجندة المؤسسة الدائمة (من التجمع المالي والإعلامي والأمني) التي تقرر أجندات الإدارات المختلفة بل وتتحكم في نتائج انتخابات الرئاسة والكونغرس عن طريق الدعم المالي والإعلامي والتسويقي .

أنا أفهم لماذا هذا التفكير لأن رأس النظام في العالم الثالث، هو الرئيس والكونغرس والشعب وهو الأول والآخر. لذلك فهم يبنوا استراتيجياتهم على خطأ. ومن  يزرعُ خطأً يُحصدُ خرابا.

 

تغيرت الإستراتيجية الأمريكية نتيجة تغير المعطيات :

لم تتغير إستراتيجية الولايات المتحدة نحو العالم العربي بقرار فردي. إنما كان القرار مؤسسياً ومبنياً على تغييرات في خارطة النفط العالمي والخارطة الجيوسياسية في العالم عموماً وفي منطقتنا خصوصاً.

فلنبدأ بتغييرات الخارطة النفطية العالمية والتي عشتُ في دهاليزها ما يزيدُ عن 55 سنة علماً بأن النفط هو محرك المدنية الغربية والكثير من سياساتها الأمنية والسياسية. ومن المفيد أن أذكر هنا ما قاله وزير الطاقة الأمريكي “رتشاردسون” سنة 1999 حين قال:”لقد كان البترول محور القرارات الأمنية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال القرن العشرين، والنفط كان وراء تقسيمات الشرق الأوسط إلى دويلات بعد الحرب العالمية الأولى”.

إذن فخارطة النفط العالمي تؤثر على سياسيات الدول الكبرى نحو الشرق الأوسط بشكل مباشر. فلذلك دعنا نبدأ بالتغيرات الهائلة في تلك الخارطة النفطية العالمية منذ سنة 2000 والتي قابلها مع الأسف ما هو أسوأ من ( القديم يبقى على قدمه) في عالمنا العربي . فلذلك سوف نبين لماذا قال اوباما ضرورة تغيير أولويات الولايات المتحدة وزيادة اهتمامها في أمريكيا اللاتينية وشرق آسيا.

 

الولايات المتحدة

سنة 2000 كان احتياطي النفط الأمريكي 22 مليار برميل فقط، وهو اليوم 37 مليار وذلك أساسا لاستغلال الزيت الصخري منذ سنة  2005  نتيجة تكنولوجيات جديدة. لكن يبقى رقم الاحتياط الحالي متواضعاً جداً حينما يقارن مع احتياطيات العالم العربي بل وحتى احتياطيات كندا .

بالنسبة لإنتاج النفط في الولايات المتحدة فقد زاد حتى أصبح اليوم بحدود 9 ملايين برميل في اليوم  وهو رقم بحد ذاته أقل من إنتاج المملكة العربية السعودية.  إلا أن اكتشاف الغاز الصخري وما يرافقه من سوائل خفيفة مصاحبة (NGL) قد بدأت تنمو مع نمو الغاز الصخري بحيث أنها وصلت إلى 3 ملايين برميل / اليوم في سنة 2011 ( ما يساوي الإنتاج الكلي اليومي للإمارات أو الكويت).

وفي سنة 2013 وصلت إلى 3.5  مليون برميل / اليوم. كما وصلت إلى 4.0 مليون برميل / اليوم، سنة 2015. وهي الآن في حدود 4.25 مليون برميل / اليوم. يضاف إلى ذلك إنتاج الولايات المتحدة من البيوفيول والذي هو بحدود  مليون برميل / اليوم. إذن أصبح مجموع المواد الهيدروكربونية الممكن إنتاجها خلال 2016 =14.25 مليون برميل / اليوم .

استهلاك الولايات المتحدة من النفط هو بين 17 إلى 18 مليون برميل / اليوم، (علماً أنه كان قبل سنوات 20 مليون برميل / اليوم). الفرق بين الاستهلاك والإنتاج هو بحدود 3 ملايين برميل في اليوم، وتستوردها الولايات المتحدة عبر أنابيب من كندا من شركات أمريكية في جوهرها. وهكذا أصبحت الولايات المتحدة تؤمن كل مستلزماتها الهيدروكربونية من داخل أمريكا الشمالية مما يعطيها أمن الطاقة المطلوبة دون استيرادها عبر البحار بما في ذلك الشرق الأوسط.  عند اللزوم  يمكنها الاستيراد من المكسيك وهي ضمن قارة أمريكا الشمالية وضمن الهيمنة الأمريكية.

إضافة إلى ذلك طورت الولايات المتحدة منشآت لتوليد الطاقة النووية مما سيقلل الاعتماد على النفط بالإضافة إلى تشريعات قد تجعل استهلاك النفط 15 مليون برميل / اليوم فقط، بحدود 2022. وهكذا يصبح إنتاج الولايات المتحدة من مواد هيدروكربونية كافياً لتغطية استهلاكها (وكفى الله المؤمنين القتال).

 

كندا :

بينما نحن نتبارى في استعمال التكنولوجيا في فنون الاقتتال والتدمير لبعضنا البعض يطور الآخرون التكنولوجيا لخدمتهم . فعلى سبيل المثال كانت كندا لا تمتلك سوى أقل من 5 مليارات برميل احتياط من النفط سنة 2000 . وتمّ تطوير حقول هائلة للزيت الرملي بتكنولوجيات جديدة رفعت احتياطياتها إلى 175 مليار برميل أي 3500% لتصبح صاحبة ثالث اكبر احتياطيات في العالم أي أكبر من احتياطي أيٍ من دول الخليج العربي عدا السعودية فأصبحت تنتج 3 ملايين برميل / اليوم تُصدر بالأنابيب إلى الولايات المتحدة .

 

أين أكبر احتياطيات النفط في العالم اليوم ؟

سيستغرب الكثيرون ان المملكة السعودية فقدت المركز الأول فأصبحت فنزويلا هي صاحبة الرقم الأعلى البالغ 298 مليار برميل وذلك بعد ان تم تطوير تكنولوجيا الزيوت الثقيلة بالتحطيم الهيدروجيني (وبالمناسبة شاركتُ أثناء تصاميم أول مشروع لذلك النوع من التكنولوجيا في العالم في “لوس أنجلس”، وعملتُ مديراً لعمليات أول مشروع إنتاجي لتلك التكنولوجيا حيث كانت تضم اكبر وحدات إنتاج الهيدروجين في العالم آنذاك. )

هل فهمنا لماذا قال اوباما في ما تمّ تسميته “مبدأ اوباما” علينا الاهتمام الآن بأمريكا اللاتينية وأهمها فنزويلا والبرازيل التي تشهد انقلاباً سياسياً مدعوماً بوضوح من الولايات المتحدة؟

وهكذا تتغير احتياطيات النفط والطاقة في العالم بِتَغير وتقدم التكنولوجيا. وعلى سبيل المثال لو استغل الأردن مثلاً تكنولوجيا إنتاج المواد الهيدروكربونية من صخره الزيتي (وهي غير تكنولوجيا الزيت الصخري) عندئذٍ سيصبح الأردن مالكاً لاحتياطي يساوي حوالي 50 مليار برميل أي حوالي مرتين من احتياطي قطر . ولكن …

 

فنزويلا

تحالفت الطبيعة مع عوامل سوء الإدارة في فنزويلا ومع الولايات المتحدة ومع هبوط أسعار النفط مما جعل حالة فنزويلا مزرية هذه الأيام بكافة المقاييس بحيث يُقَدِر صندوق النقد الدولي ان يصل غلاء المعيشة هذه السنة 720 % مما أغرى الولايات المتحدة لبدء حملتها بالضغط  مع شركائها من الأحزاب اليمينية في فنزويلا إلى محاولة تغيير النظام الاشتراكي (الآن الآن وليس غداً) .

فلنبدأ بتحالف الطبيعة ضد فنزويلا: لقد كان الجفاف هذه السنة الأسوأ في تاريخ فنزويلا منذ 50 سنة مما أثر على منسوب المياه في خزانات السدود والتي تولد 70% من الكهرباء في كافة فنزويلا مما اضطر الدولة إلى تقنين وقطع التيار الكهربائي  الذي قد يشمل البلاد كلها لو استمر منسوب الماء في خزانات السد في الهبوط بنفس النسبة . كذلك نتج عن الجفاف نقص حاد في المنتجات الزراعية . مما رفع أسعار الغذاء إلى مستويات فلكية .  أما سوء الإدارة فهو أساسا اعتماد الاقتصاد شبه الكلي على النفط مما سبب انهياراً في دخل الدولة نتيجة انهيار الأسعار خلال السنتين الماضيتين . وهكذا نرى ان تخفيض أسعار النفط قد خدم السياسة الأمريكية و الاقتصاد الأمريكي أولا وأضر بأعدائها خصوصاً روسيا وفنزويلا.

 

البرازيل

ان ما حدث هناك هو انقلاب سياسي بامتياز فلم ترتكب الرئيسة “روسيف” أي جرمٍ شخصي أو فساد وإنما استمرت في عمل ما كان يعمل به سابقاً منذ سنوات بأمور تتعلق في الميزانية وخانها نائبها والذي كان متحالفاً معها بالحكومة.

الانقلاب أمريكي الهوى دونما شك. ومما عزز هذا الاعتقاد أن وزير المالية في الحكومة الجديدة Henrique Meirelles  وهو زميلٌ لي في الدراسة في كلية الدراسات العليا للإدارة في جامعة “هارفارد” كان يمينياً في آرائه الاقتصادية والسياسية وأصبح بعد تخرجه حليفاً موثوقاً لـ”وول ستريت”. وقد عمل في الولايات المتحدة ووصل إلى منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك بوستن العالمية وكان من المقربين جداً إلى إدارة الرئيس كلينتون. ثمّ ذهب إلى البرازيل (موطنه الأصلي) حيث أصبح رئيساً للبنك المركزي والآن وزيراً للمالية في وزارة الانقلاب.

بعد أن دمرت الولايات المتحدة أقوى ثلاث دول عربية  بأيد وأموال عربية، وبعد أن دمرت الربيع العربي، وحولته إلى خراب، وبعد أن أصبح أمنها النفطي كله داخل أمريكا الشمالية وبعد أن هيأت الظروف لخلق محورين سني صهيوني وإيراني شيعي إسلامي ليتقاتل المحوران إلى يوم يبعثون لأنها تعلم أن عرب الجاهلية الأولى قد تقاتلوا أربعين سنة بسبب ناقة فما بالُ عرب الجاهلية الثانية هذه الأيام؟ غيرت الولايات المتحدة إستراتيجيتها وأوكلت أمرها إلى أمريكا الصغرى (إسرائيل) وقالت:أللهم احمني من هؤلاء الأصدقاء، أما أعدائي فأنا أولى بهم. أفهمنا لماذا غيرت الولايات المتحدة إستراتيجيتها؟

إن التحالف الاستراتيجي مع أمريكا الصغرى (إسرائيل) سيكون كارثياً ليس فقط على القضايا الوطنية والقومية العربية بل على تلك الأنظمة نفسها. وأذكر هنا أنه بعد 13 سنة من 11 سبتمبر2003 بدأت عملية الابتزاز ضد المملكة العربية السعودية ابتداءً من ممثلي الكونغرس في نيويورك ( معقل التمركز الصهيوني). وأذكر بما قالته “غولدا مائير” بعد احتلال أم الرشراس (والتي أعيد تسميتها إلى أيلات) حين قالت:”إني أشم رائحة خيبر”. من يعرف عقلية الابتزاز الصهيوني يعلم أنها ستطالب في يوم غير بعيد بممتلكات يهود خيبر وعليها فوائد 1400 سنة ليصبح الرقم لا يغطيه كل نفط السعودية!

وإلى من ظنوا أنهم حلفاء أو أصدقاء للإمبراطورية الأمريكية أقول:بينما كان حلفاء الإمبراطورية البريطانية العرب يقاتلون الدولة العثمانية إبـّان الحرب العالمية الأولى كانت حكومة صاحب الجلالة تخطط سراً لنظام ما بعد الحرب، نظام دويلات سايكس بيكو. وأعطيت فلسطين ممن لا يملك لمن لا يستحق. وكان حلفاء الإمبراطورية العرب أول الضحايا: فكلام الإمبراطوريات في الليل يمحوه النهار.

لقد علـّمنا التاريخ قديمه وحديثه بأن حلفاء الإمبراطورية الجديدة اليوم لن يكونوا أكثر حظاً من حلفاء الأمس، فاليوم ينتظر حلفاء الإمبراطورية الجديدة العرب “خريطة طريق” للشرق الأوسط الجديد يرسمها الصهاينة والصهاينة المسيحيون الذين استولوا على حكم الإمبراطورية الجديدة. وإلى أين ستأخذنا وتأخذهم هذه الخارطة؟ كانت آنئذٍ اسمها اتفاقية “سايكس بيكو”، واليوم فإنها اتفاقية “شارون بوش”.

ليس للأباطرة أصدقاء ولا صداقات. مات ماركوس في منفاه، وضاقت الأرض بما رحبت لقبرٍ يـُوارى به جثمان شاه إيران. جنـّدت الولايات المتحدة ألوف المتطوعين البسطاء ليجاهدوا معها ضد الكفار السوفييت في أفغانستان. وبعد أن قـُضي الأمر، أين أصبح هؤلاء؟ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر في غوايتنامو! ثم أين هو سوهارتو؟ وأمـّا مانويل نورييغا فلقد بدأ حياته مخبراً ثم عميلاً من الدرجة الممتازة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية حيث أوصلته إلى حكم جمهورية بنما ثمّ أصبح السجين رقم 41586 في أحد سجون ميامي الفيدرالية بولاية فلوريدا.

 

*كاتب عربي ومستشار قانوني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى