تقارير

قصفنا وبكى وسبقنا واشتكى.. فكيف إذا وقعت الحرب؟

محمد_سلمان

الهوية – خاص.

بضع قذائف، بعضها من مدافع سعودية تم الاستيلاء عليها من مواقع على الحدود، هزّت النظام السعودي، وجعلت “المواطنين السعوديين” يعيشون حالة حرب، ويشعرون بالرعب، فتتوالى الأسئلة عن المستقبل والمصير، وتضطر السعودية إلى اللهاث وراء “هدنة إنسانية”، اقترحوها مؤقتة، وأرادها الأميركيون أن تكون أكثر امتداداً.

هذه القذائف هي جزء بسيط من “رد الجميل” لـ “الأشدقاء” السعوديين، الذين لم يتركوا نوعاً من أنواع الأسلحة إلا واستخدموه ضدنا، ولم يدعو مجزرة مرّت في التاريخ إلا وعملوا على تنفيذ مثلها فينا، فانبرى فقط البعض، من أبناء القبائل، لإطلاق بعض الرد، دون قرار بفتح الحرب، ولا استخدام لأسلحة حاضرة لتكون جزءاً أساسياً من المعركة، فعلت الصرخات في الجانب السعودي من الحدود.

هذه المعادلة تكشف الكثير من مفردات الواقع الذي يشهده جنوب شبه الجزيرة العربية، بين شعب يتعرض لأقصى درجات العدوان، من دول كثيرة، ومن خونة في الداخل، فيصمد ويصبر، ويحقق الإنجازات، ويسجل الانتصارات، ويحرر أرضه شبراً وراء شبر، غير آبه بالحمم التي تُصب على رأسه، ولا بالمجازر التي تستهدف أبناءه، ولا بالضحايا الذين يسقطون في صفوفه، أطفالاً ونساء، شيوخاً وعجزة، وبين دولة اهتزّت أركانها وقامت تتخبط، دون أن تهتدي إلى ردة الفعل على سقوط بضع قذائف، فيتضعضع الوضع، و”تتخربط” الأحوال، وتتعطل الجامعات والمدارس، وتُقفل المطارات، هذا في أدنى حد، فكيف بالحديث المتواتر عن حالات النزوح، وعن إخلاء المواقع العسكرية، وترك الأسلحة كما هي، واللوذ بالفرار من أمام بعض الأشاوس من أبناء القبائل؟.

إنه باختصار، واقع هزيمة وانتصار: هزيمة لـ “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل” وللمسميات الأخرى، وللزيف الأساس في التسمية، زيف تسمية جزيرة العرب باسم أسرة فاسدة هي أسرة “آل سعود”، وانتصار لشعب صمد، ولجيش حسم خياره إلى جانب القوى الثورية الحقيقية التي تمثل هذا الشعب، ولقبائل تربّت على العز، وعلى إباء الضيم، وعلى رفض الذل، فكان منها بعض “ردّ الجميل”.

والهزيمة هزيمة ميدان، حيث تتفتت جبهات الظالم السعودي، في عدن وفي مأرب، وفي جيزان ونجران. وهي هزيمة نفوس أيضاً، حيث يبدو أن هؤلاء الناس قد استفاقوا على كابوس لم يكونوا يتوقعونه، وهم يرون مدنهم تُقصف، كما يقصفون مدن الآخرين، ومراكزهم العسكرية خارج سيطرتهم، فيما لم يستطيعوا التقدم ولو لشبر واحد في الأرض التي يخشون أن تحل “لعنتها” عليهم إلى أبد الآبدين.

والهزيمة هي هزيمة قرار، فالسعودية حسمت منذ الأيام الأولى لعدوانها مسألة قدرتها على حماية أرضها من “التهديد”، وأعلنت إنهاء “عاصفة الحزم” على أساس أنها حققت هدف التأمين الكامل لهذه الأراضي، فتبجح المتبجحون، وخرج المحللون والمعلقون ليجعلوا مما قامت به السعودية نموذجاً لـ “الحرب النظيفة”، التي لم يستطع غيرها في العالم تحقيقها، بحيث أنها تضرب ولا تُضرب، وتحقق أهدافها بأقل الخسائر الممكنة.

قصفنا وبكاء وسبقنا بالشكاء، ففجأة، وبسبب عدة قذائف، ثارت ثائرة المتحدث العسيري، وبدأ بالحديث عن خطوط حمر اختُرقت، وعن عقاب لا بد من تنفيذه، وعن تهجير لمناطق بكاملها.. فكيف يكون السعوديون حققوا أمنهم بعد كل هذا الصراخ والنحيب؟.

لا بل إن الهزيمة هي هزيمة إعلام أيضاً، وسواء في “الإعلام القديم” المتمثل بالصحف والإذاعات والمحطات الفضائية، أو في “الإعلام الجديد” الذي تمثّله وسائل التواصل الاجتماعي، فالعويل هو هو، ومحاولات رفع الروح المعنوية المنهارة للمواطنين تصطدم بالصور المسرّبة عن القصف الذي تعرضت له المدن السعودية، وعن المراكز التي استولى عليها اليمنيون، بحيث تحوّل موقع “تويتر” مثلاً إلى مناحة دائمة، وتلاحقت “الهاشتاقات” التي تتحدث عن القصف على جيزان والقصف على نجران، والخوبة تحت القصف، وإلى ما هنالك من جمل تعبّر عن حالة رعب منتشرة وصولاً حتى العاصمة والمدن الكبرى في الشمال.

فهل هذا هو المجتمع، وهل هذا هو الجيش، وهل هذه هي الدولة التي ستقاوم رداً منظماً حقيقياً ملموساً مدعوماً بجيوش وقوات ما تزال تضبط نفسها، وأسلحة ما زالت في مخابئها، وصواريخ لم ـ ولن ـ تصل إليها كل الغارات والمحاولات الفاشلة لـ”آل سعود” ومن وراءهم ومن أمامهم ومن اشتروهم بأموالهم؟

إن “دولة” تعتمد على جيش السودان، وجيش باكستان، وجيش مصر وجيش السنغال لحماية حدودها، هي دولة مهزومة قبل أن تبدأ بالمعركة، وهي دولة مستسلمة حتى لو كانت كل ترسانات العالم وأسلحته تحت تصرفها.

أليس هذه هي حال دولة “آل سعود”؟.

أما النصر، فهو في مقابل كل ذلك، لشعب آمن بالنصر، وعمل من أجله، وأعدّ العدّة له، ولم يخشَ أبداً من دفع ثمنه.. وهذا هو شعب اليمن. ولم ير “الأشدقاء” في السعودية من “جمل” اليمن إلّا أذنه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى