القدس

قصة شهيد:

الشهيد المجاهد : علي سمور

 

سنواتٌ مضت على استشهاد علي موسى سمور”أبو الحسن”، ولا زالت ذكراهُ حاضرةً بقوة في وجدان أبناء شعبه الذين خرجوا عن بكرة أبيهم عندما سمعوا خبرَ استشهادِه مكبرين، ليجدّدوا البيعة مع الله على المضي قدماً في هذا الطريق المكلل بالعز والفخر.. فكان رحيُله كما أحب أن يكون وتمنى. وعلى الرغمِ من حياتِه القصيرة على هذه البسيطة، فإنه ترك أثراً كبيراً في نفوس محبيه .

 

كان الشهيدُ علي مثالاً للعلاقة الأسرية في تواضعه وتذلُله لأمه وأبيه، فكان يخفض لهما جناح الذل من الرحمة، حريصاً على دعوة إخوته وأصدقائه للصلاة وقراءة القرآن وحضور مجالس العلم.

 

كان ببساطة وكل وضوح مثالاً للإنسانِ المسلم العارف بربه، ويشهدُ له كل من عرفه بالتقوى والصلاح والإخلاص، فقد كان أول الداخلين لصلاة الفجر في المسجد وآخر الخارجين منه، كما كان مواظباً على أداء الصلوات الخمس جماعة بالمسجد “الأبيض” في المخيم، وفي ذات السياق يضيف والده -أبو محمد-: “كثيراً ما كنت استيقظ في الليل عليه وهو يقرأ القرآن ويقيم الليل، فأُشفق عليه وأدعوه للنوم برهة من الوقت؛ لأن أمامه يوما دراسيا شاقا”.

في حين ، لم تجد والدتُه -أم محمد- خلال حديثِها عن صفات الشهيد “علي” في جعبتها من الكلمات ما يمكن أن تصف بها أخلاق أحبّ أبنائها إلى قلبها، لتقول بصوتها الخافت الحزين: “منذ طفولته كان هادئاً مطيعاً مهذباً جميلاً، ومتميزاً بين أقرانه بأخلاقه العالية الرفيعة وذكائه وفطنته؛ مما جعله محبوباً من الجميع”

 

وتكمل الوالدة الصابرة حديثها: “كان كثيراً ما يساعدني وشقيقه البكر محمد في أعمال البيت، وشراءِ الخضروات وكل ما يلزمنا من السوق”، لافتةً إلى ما كان يتمتع به الشهيد من روحٍ مرحة وابتسامة غيّبها استشهاده، بالإضافة إلى تميزه بالجرأة والإصرار على تحقيقِ أهدافه مهما بلغت الصعوباتُ والتحديات.

 

درس الشهيد “علي” المرحلةَ الابتدائية في السعودية، ثم أكملَ دراستَه للمرحلة الإعدادية في مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين بمخيم الشاطئ بعد عودته إلى أرض الوطن، ثم اجتاز المرحلة الثانوية بنجاح، ليلتحق بعدها بالجامعة الإسلامية في “كلية العلوم، تخصص جيولوجيا”، فكان استشهادُه وهو في السنة الثالثة.

 

وتؤكد والدتُه أنها لا زالت تحتفظُ بشهاداتِ تفوقه عن كل مرحلةٍ من مراحلِ دراسته، مشيرةً إلى أنها علمت بعمله الجهادي قبل فترة وجيزة من استشهاده، إلا أنها لم تشأ أن تمنعه عن مواصلة هذا الطريق الذي آمنت به، رغم المخاطرِ الكبيرة التي كانت تلاحق من يسيرون فيه.

 

وبيّنت أنها في أيامه الأخيرة كانت حريصةً على تلبية طلباته كافة لإحساسها بقربِ فراقه الصعب على قلبها، مؤكدةً أنها وأسرتها عاشوا حالةً من القلق على نجلهم الشهيد “علي” لاسيما عندما كان يتأخرُ عن البيت، أو عندما تحدث عملية استهداف لإحدى مجموعات المقاومة، فتبادر الأسرة جميعها بالاتصال به للاطمئنان عليه.

 

 

 

كما أن لكلّ شهيدٍ فلسطيني حكاياته مع حب الوطن وعشق مقدساته فإن لعلي حكاياته الخاصة، كما يوضح رفيقُه في سرايا القدس أبو يوسف، حيث يقول: “كان الشهيد علي سبّاقا في أي عمل جهادي، وكثيراً ما كان هو الذي يرصدُ ويخططُ وينفذ بنفسه الخطط العسكرية بعد إقرارها من قيادته”.

وأضاف: “منذ التحاقه بصفوف سرايا القدس في أواخر عام 2002م، لم يضيع (علي) يوماً واحدا دون أن يُشارك في عملٍ جهادي ضد الاحتلال”.

أما عن أهم الأعمال التي شارك فيها الشهيدُ “علي”، فأكدَّ أبو يوسف أن سجله الجهادي حافلٌ بالعمليات الجهادية، متمثلةً في قصف المغتصبات الصهيونية بالصواريخ، ورصد تحركات آليات العدو على طول الحدود، وتنفيذ عديدٍ من العمليات الهجومية ضد أهداف الاحتلال، بالإضافة إلى المشاركة الفاعلة في صد الاجتياحات والتوغلات.

وقال أبو يوسف “الشهيد علي هو من رصد لعمليته الأخيرة، ووضع خطةَ الهجوم التي أقرها المجلسُ العسكري الذي كان يرأسه الشهيد القائد بشير الدبش”، مؤكداً أن خللا فنيا غير متوقع حدث خلال التنفيذ، ساهم بشكلٍ ما في تغيير مسار العملية.

 

ومع إرهاصاتِ مساء يوم الأحد في الأول من  أغسطس عام ألفين وثمانية كان الشهيدُ علي ورفيقه الشهيد محمد مطر -ابن كتائب شهداء الأقصى- على موعدٍ مع الشهادة ، حينما نصب الشهيدان مجموعة من الألغام الأرضية في طريق رتل للآليات الصهيونية كانت تمرُ في هذا الطريق متوجهة للغدة البائدة “نتسانيت” شمال قطاع غزة، غير أن خللا فنيا حدث بعد الانتهاء من نصب العبوات الناسفة كشف الاستشهاديين لأحد المواقع العسكرية، لتدورَ معركةٌ عنيفة شاركت فيها المدرعات الصهيونية والطائرات الحربية التي قصفت المنطقة بكثافة، ليرتقي الشهيدان بعد نصفِ ساعة من الاشتباك إلى العلياء مع الشهداء والصديقين، وقد اعترف العدو بمقتل أحد جنوده وإصابة سبعةٍ آخرين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى