مساحات رأي

حرب الشعب ومحاربة إيران

عباس الديلمي

عندما اجتاح تحالف الشر بقيادة شيطانه الأكبر, لبنان وكانت عاصمته بيروت أول عاصمة عربية يسقط نصفها في يد الصهاينة- بمساعدة عملائهم- وداعميهم في العام 1982م خرج منها مدحوراً مهاناً, وعند البحث عن عوامل هذا النصر العربي الأول من نوعه, وجدنا أن السبب يكمن في أن الشعب بقيادة المقاومة الوطنية اللبنانية هو من تصدى للعدوان التحالفي وليس النظام أو السلطة الحاكمة.
وعندما رأينا على رأس لبنان تاج الانتصار العظيم على الجيش الذي كان يقال بأنه لا يقهر وترك الاحتلال الإسرائيلي الأراضي اللبنانية- الحدودية- دون إملاء شروط أو رغبات, بل ذليلاً مهاناً, وعندما شهد العام 1994م علامة فاصلة في الصراع العربي- إسرائيلي وصار الكيان الصهيوني المتغطرس لا يجروء على مواجهة عسكرية مع لبنان بحثنا عن السبب فوجدنا أن الشعب اللبناني بقيادة حزب الله, هو من صنع ذلكم النصر الذي لم يتحقق لأنظمة عربية ملأت الدنيا ضجيجاً, نعم هو الشعب وليس نظام أو سلطة لها حساباتها ومصالح على رأسها.
وهاهو الشعب الفلسطيني- رغم إحكام طوق المؤامرة عليه وعلى قضيته- يصنع انتصارات مقاومة وصمود بقيادة مقاومته الوطنية- وليس ما تسمى بالسلطة- هاهو برغم الكيان الإسرائيلي وداعميه ومن على رأسه من صهاينة متطرفين ومتشددين وصقور.. على التراجع عن غطرسته واملاءاته المهينة لمن يقبل بها ويرضخ للأمر الواقع ويضع طبول الحرب جانباً, ويسعى للتهدئة ويلجأ إلى وسطاء الحوار مع المقاومة الفلسطينية وبدلاً من الاستمتاع بنشوة خدمة عملائه بما اسمي بـ(صفقة القرن) ها هو يفيق على صفعة المقاومة بأكثر من أربعمائة صاروخ تنهال عليه رداً على حماقة من حماقاته الوحشية فيعترف بالفشل ويستقبل وزير حربه واعتداءاته بعد حرب لساعات فقط..
وهكذا نقف أمام مسلمة لا تقبل الشك, مفادها, أن الثورات الشعبية بثقافة وطنية شعبية وقيادات مؤمنة بحق شعوبها هي من تأتي الانتصارات على يدها وليس أصحاب المصالح على رؤوس الأنظمة.. وهذا ما دعانا إليه وما تركه لنا عظماؤنا من قادة ومفكري الجهاد والنضال المقاوم لمستعمر ومتسلط وطامع في الهيمنة, ومنهم العظيم جمال الدين الأفغاني من دعانا قبل قرون وتحديداً في القرن التاسع عشر الميلادي, إلى ما أسماها بـ(حرب الشعب) أي الحرب التي يعلنها ويقودها الشعب ضد المحتل والمتسلط وليس رموز الأنظمة أو الحكام الذين ينهزمون فيهزمون جيوشهم النظامية وشعوبهم.
لقد نصحنا جمال الدين بالثورة والمقاومة ولكن بالبندقية التي توجهها الإرادة الشعبية وقال بأنها الأجدى في ظروف معينة من الحرب النظامية, ففي العام 1883م بعد احتلال الانجليز لمصر وتسريح الجيش الوطني الذي قاده أحمد عرابي كتب جمال الدين في مجلته (العروة الوثقى) ناصحاً المصريين بما اسماه- دقة في التعبير اللغوي- بحرب الشعب حيث قال: “إن مقاومة الأهالي أشد بأضعاف مضاعفة من القوى العسكرية المجتمعة في أماكن مخصوصة تحت قيادات رؤساء معينين تنهزم بانهزامهم” مستشهداً على ذلك بمقاومة الشعب الأفغاني- وليس حكومته- للاحتلال الانجليزي وكيف أجبر الأفغان ستين ألف جندي انجليزي على الرحيل بعد عامين من الاحتلال..
نعم.. إنها الحرب التي يشنها شعب ضد مستعمر أو طامع في خيراته وإذلاله, فهي من تولد روح الصمود والتضحية ومن تأتي بالنصر المبين وتنجز الأهداف غير القابلة للمساومة وهذا ما نتمثله اليوم في حرب شعبنا اليمني مع الطامعين والساعين إلى إذلاله..
وبالمناسبة هناك ملاحظة تقول: ونحن نعيش مستجدات هزيمة الكيان الصهيوني أمام المقاومة الشعبية, وسقوط أكثر من أربعمائة صاروخ على كيانه, ألا تلاحظون أن الإعلام الرسمي الإسرائيلي والصهيوني عموماً, يذكر هذه الصواريخ ولا يشير إلى مصدرها أو كيفية الحصول عليها..
ولا يتهم إيران أو حزب الله كما يحدث بالنسبة لليمن, وفي ذلك أمر مكشوف وهو عدم إحراج عملاءه العرب أمام الشارع العربي, وهم يسعون للتطبيع مع الكيان الصهيوني وانجاز صفقة القرن, ومحاربة إيران في اليمن- حسب زعمهم- وبأنهم تركوا فلسطين وقضيتها لمحور المقاومة العربية والإسلامية, وتفرغوا لخدمة إسرائيل وتأمينها في البحر الأحمر وباب المندب.
{ ولد جمال الدين الأفغاني سنة 1839م في قرية (اسعد أباد) من أعمال كابل, وتنحدر أسرته من أصول عربية حجازية ويرجع بها النسب إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى