مساحات رأي

تحية عسكرية

غادة محمد أبولحوم

حياته مرت أمام عينيه كشريط إخباري باللون الأحمر كتب عليه عاجل، في قناة تلفزيونية غالباً لن تكون الرسمية. كان في حالة من الذهول و الفزع جعلت كل ما يدور في ذهنه فراغا موحشا يستعجل الموت.

كان يحدق في سكين بدأت مجبرة على القيام بمهمة لا خيار أمامها سوى التنفيذ. لم يخطر في ذهنه شيء عن حياته، فقد كانت شبه خالية من تجارب الحياة و مليئة بعثرات العيش.

كيف وصلت الى هنا؟
لم يفكر حينها و هو يشاهد السكين بهادي ،وهو يخاطب وزير الدفاع و القادة العسكرين عن الجيش، عن واجب الجنود تجاه الموت بأي طريقة كانت، المهم أن هذا واجبهم. و عن دورهم هم المحصور في فساد يستنزف أموال الدولة ليعيشوا هم في ترف.

ترك التأمل في السكين التي جعلت رفيقه غارق في الدماء، و رقبته جرح مفتوح ينزف. كان يهمهم بكلام غير مفهوم و لكنه أدرك أنه يتحدث عن طفولته عن أمه و أبيه. كان يروي قصة إخوته و أحلامهم و لكنه قطع الحديث عنهم ليتحدث عن المرتب قبل ان يصمت و إلى الأبد.

أكمل القصة الجندي الآخر فالذي يليه، الجندي الرابع كان صامتا فالسكين لم تكن رحيمة به و تركته يواجه مصيره مع العذاب دون ان تلتفت لتكمل مهمتها.

والجندي العاشر يستنجد ان يتركوه رأفة بامه العجوز التى لا حد لها سوها، اخر مكالمة لها و هي تتوسل إليه ان يعود كانت الآه الصادرة منه هي آخر أنفاسه. لم يستطع الذي بجواره حبس الدموع و هو يشعر بكل معاناة صديقه و يتذكر صورة أبنائه يتقاسمون رغيف خبز و علبة زبادي مخلوطه بماء. ابتسم للسكين وقد رأى فيها خلاصة، فلم يعد يبالي بالحديث عن حياة لم يجد فيها حياة.

الأخير كان يردد إسم حياة بنت الثلاثة أعوام كيف ستنام “بشاله” بعد أن اختفت منه رائحته . شاهدهم جميعا يذبحون و استمع لقصصهم حتى حان دوره، لم يعد عنده شيء يضيفه، فنظر بصمت نظرة أخيرة على عالم لم يكن له مكان فيه، مدرك أن لا شيء فيه يستحق الوداع.

قبل أن يغمض عينيه شاهد السكين و عليها ظل زوجته إبنة الثامنة عشر تبتسم وهي تمسك بزيه العسكري كما كانت تفعل قبل ان يخطفها الموت وهو يحاول نقلها الى اقرب مدينه فيها مستشفى.

كان يعرف انه جندي و الجنود في وطنه يموتون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى