خاص الهويهعناوين مميزةمساحات رأي

تأملات حول مشروع قانون السلطة القضائية المقدم من عضو مجلس النواب إلى مجلس النواب

القاضي/د. بدر راجح سعيد
نائب رئيس المحكمة العليا

في شهر مايو 2006م صدر للقاضي المستشار طارق البشري كتاب عنوانه “القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء” وهذا الكتاب يلخص في كلمات عنوانه كل المسألة المثارة منذ سنوات في شأن العلاقة بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية وهي مسألة تدور حول هذين القطبين اللذين استخدمهما القاضي طارق البشري عنوانا لكتابه.

(الاستقلال والاحتواء):
الاستقلال وهو الذي يضمن للوطن قضاءً حراً غير تابع لأحد، والوطن الذي لا يقوم فيه هذا القضاء الحر غير التابع لا يكون بأي حال وطناً حراً كامل الحرية، وينبغي القول: إن الوطن الذي لا يقوم فيه هذا القضاء الحر غير التابع لا يضمن فيه حق، ولا تحفظ فيه حرمة، ولا تصان فيه كرامة، والاحتواء يعني دخول السلطة القضائية تحت سيطرة إحدى السلطتين الأخريين في الدولة، السلطة التنفيذية- وهو ما يحدث غالباً أو السلطة التشريعية، وهو إن كان نادر الحدوث.
إن المشروع المنشور مبني على أساس المواد الدستورية 149/150/152 بشأن الاستقلال المالي والإداري والقضائي للسلطة القضائية، ومن ضمن ذلك أعد المشروع، وهناك مشروع آخر أعده مجلس القضاء الأعلى ولم ينشر بعد.
والآن ونحن بصدد قراءة مشروع قانون السلطة القضائية المقدم من أحد أعضاء مجلس النواب إلى مجلسه، الذي هو في الحقيقة يدور البحث فيه عن مدى الاستقلال الذي يحققه للسلطة القضائية وتجنب الاحتواء الذي يوقعها فيه.
فمجلس القضاء الأعلى قد ناقش مشروع التعديلات على قانون السلطة القضائية في جلسات عادية وجلسات استثنائية استجابة لمطالبة القضاة بقانون يعزز للسلطة القضائية استقلالها، ويحفظ للقضاء هيبته ويرفع يد السلطة التنفيذية عنه، فمبادرة مجلس القضاء الأعلى والقضاة لمشروع التعديلات لهذا القانون بأنفسهم يحقق للوطن ما يصبوا إليه أبناؤه في شأن سلطة القضاء وصيانتها واستقلال أعضائها وحفظ كرامتهم.
فمن حسنات مشروع قانون السلطة القضائية المقدم من أحد أعضاء مجلس النواب إلى المجلس أنه جعل تشكيل المكتب الفني في المحكمة العليا من رئيس وعدد من قضاة المحكمة يصدر بقرار من مجلس القضاء الأعلى بناءً على ترشيح رئيس المحكمة العليا ولمدة محددة بعد أن كان التشكيل في النص الحالي لقانون السلطة القضائية في المادة (34) رقم (1) لعام 1991م بقرار من وزير العدل بعد أخذ رأي رئيس المحكمة العليا وموافقة مجلس القضاء الأعلى.
ومن حسنات مشروع القانون انتخاب جمعيات عمومية لكل من المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف بالمحافظات وكذلك أيضاً تشكيل الدوائر في المحكمة العليا يكون بقرار من مجلس القضاء الأعلى حسب الأقدمية أي يراعى عند تشكيل كل دائرة ترتيب أعضائها بحسب الأقدمية.
ومن حسنات المشروع عدم جوازية ندب عضو السلطة القضائية بالقيام بأعمال غير قضائية أو قانونية خارج السلطة القضائية.
وحدد في حالة الندب لفترة محددة غير قابلة للتمديد ويكون الندب بقرار من رئيس مجلس القضاء الأعلى بعد موافقة المجلس، لكن الفكرة على ما يبدو لم تتم، ولذلك نقترح وهو الصائب أن توافق الجمعية العامة في أي محكمة وهي صمام الأمان في كل قرار يعهد إلى المحكمة باتخاذه، وإسناد الرأي إلى الجماعة يقلل من الخطأ لأنه يعطي هذه السلطة للجمعية العامة للمحكمة العليا التي تمثل المحكمة كلها، وهذا النهج هو الضمانة الحقيقة لتكون هذا القرارات معبرة تعبيرا صادقاً، عن رأي قضاتها، وتتحقق المصالح كافة في توازن لا يضمنه إلا إجراء مداولة حرة بين أعضاء الجمعية العامة في شؤون المحكمة العليا وما يصدر عنها من قرارات.
ويجب القول هنا بأنه يجب وضع قواعد صارمة تقصر الندب على الأعمال القضائية، وتحدد له مدة لا يتجاوزها بأي حال على سنتين كما ينص عليه في المشروع للقانون في قواعد لا تفرق بين ندب داخلي وندب خارجي، حماية للقضاء وأعضاء السلطة القضائية.
أما ما يتصل بتبعية التفتيش القضائي لمجلس القضاء الأعلى فإن مشروع القانون الجديد المقدم لمجلس النواب من أحد أعضائه، قد تجاهله تماماً، فخروجه وخروج أعضائه عن نطاق إمكان هيمنة السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل عليه (بغض النظر من يكون وزيراً للعدل) فقد أصبح هذا المطلب مطلباً للكافة في هذه المرحلة بعد أن عرف المدى الذي تبلغه سلطات التفتيش القضائي وقدراتها في التأثير على المسيرة الوظيفية للقضاة الخاضعين له.
وبذلك يتبين أن مشروع القانون المقدم من أحد أعضاء مجلس النواب لمجلسه استكمل تفرد مجلس القضاء الأعلى بإدارة شؤون القضاة فهو كلام غير صحيح، فالتفتيش الذي هو عصب الحياة القضائية يتبع السلطة التنفيذية (وزارة العدل) وهو الذي يضع لائحته، وهو الذي يحيل ما شاء مما يرد إليه من أمور التفتيش على القضاة إلى مجلس القضاة الأعلى.
كما يتبين ذلك بشأن حركة التنقلات القضائية التي تصدر بقرار مجلس القضاء الأعلى وبعد موافقة المجلس بناءً على عرض هيئة التفتيش ولا يغير هذا النظر من أن مجلس القضاء الأعلى يحدد القواعد التي يتبعها التفتيش القضائي لإعداد مشروع للحركة القضائية لأن هذا الاختصاص لا يمس السلطات الواسعة لإدارة التفتيش القضائي، في شأن تقويم أعمال القضاة وتقرير كفاءتهم وهو ما يترتب عليه آثار مهمة في شأن الترقيات والتنقلات والاعادات وغيرها.
فالتفيش القضائي إذن في مكانه، آمن من تدخل القضاة المعنيين به، عن طريق جمعياتهم العامة، في شؤونه متوسد حضن السلطة التنفيذية ألا ثير بحيث تتحكم فيما تشاء من شؤونه دون أن يكون للقضاة، ومجلسهم الأعلى في شأنه أخذ ولا رد.
ويبقى على القضاة أن يستمروا في مطالبتهم بإحكام سلطان مجلسهم الأعلى على شؤونهم كافة، وبتشكيله بطريقه توازن بين طموح السلطة التنفيذية إلى احتواء السلطة القضائية وبين الأمل العام للقضاة جميعاً في استقلالهم استقلالاً حقيقياً عن السلطتين الأخريين وعن غيرهما ممن يملكون وسائل التأثير ترغيباً أو ترهيباً، وإغراءاً أو إغواءً.
والذين يمثلون طليعة القضاة اليوم سيتركون مواقعهم غداً لرجال مثل حكمتهم وخبراتهم.
أخيراً إن ما تحقق من آمال ورغبات إلى الآن يدفعنا كي نسعى إلى تحقيق ما تبقى مستقبلاً، ويقتضي العمل في هذا الاتجاه أن يجتمع الصف وتتحد الآراء والمواقف بما يخدم مصالح القضاة.
وهنا نقترح على وزارة العدل نشر مشروع القانون الذي أعده مجلس القضاء الأعلى ليتم إثراؤه بالملاحظات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى