تحليلات

الهوية تفتح ملف الحركات الإسلامية على الساحتين المحليه و العربيه

شهدت اليمن  كباقي الدول العربية والإسلامية، ظهور نماذج متعدّدة من الأحزاب الدينيّة التي انخرطت في العمل السياسي، حتى أن بعضها وصل إلى سلطة الحكم والبعض الآخر إلى السلطة التشريعية ومنها من شاركت في الحكومات..

وفي الغالب فقد واجهت اغلب إن لم نقل جميع تلك الأحزاب الدينية، أزمات كبيرة في تعاملها مع النموذج الديمقراطي للحكم، واصطدامها بالأحزاب والتيارات العقائدية الأخرى، ما جعلها تسقط في شعوبها.

ورغم الفشل الذريع والمتكرر للحركات الدينية في العمل السياسي، إلا أننا مازلنا حتى اليوم نشهد ظهور كيانات ومؤسسات حزبية تمتطي عباءة الدين لتحقيق مكاسب سياسية – حسب اعتقادها.. بينما أصبح ظهور مثل هذه الحركات خصوصا في الوقت الراهن، بمثابة انتحار جماعي لأي حركة إسلامية، ولعل هذا ما يريده البعض لجماعة أنصار الله الحوثيين والذين يواجهون ضغوطاً محلية ودولية لتحويلهم ككيان سياسي.

وهناك الكثير من الأمثلة والتجارب التي سنستعرضها في هذا التحليل للحركات الدينية التي انخرطت في العمل السياسي في اليمن  أو الدول العربية الأخرى، وما آلت إليه من انهيار قضى على مستقبلها السياسي وحتى صورتها بين المجتمع . وذلك حتى نصل بكم إلى الإجابة عن السؤال الذي يحير الكثيرين : (لماذا فشلت الأحزاب الدينية في الحكم) ؟ وهذا ما سنسعى الى الرد عليه من خلال التدقيق في دهاليز التجربة، والبحث في نقاط القوة والضعف، وذلك كمحاولة للوصول إلى نتائج تطبيقية في تجربة الحكم والإدارة التي سعى لها الإسلاميون دهرا من السنين.

ملف يرصده: عبد الله الحنبصي:

في عقد التسعينيات من القرن الماضي، شهدت الحركة الإسلامية في الجزائر تراجعاً كبيرًا بعد اندلاع الصراع بين النظام وجبهة الإنقاذ الإسلامية على خلفية إلغاء نتائج الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية التي أجريت في عام 1991، فيما وصلت حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان وتسببت في أزمات متعددة داخلية وخارجية إلى أن انتهى الأمر بسقوط نظامها عقب نشوب الحرب الأمريكية على أفغانستان في عام 2001، بينما تبنى نظام الرئيس السوداني عمر البشير سياسات أدت إلى تصاعد حدة النزعات الانفصالية وتعرض السودان لضغوط دولية غير مسبوقة.

الإسلام السياسي و تجربة جماعة الإخوان:

أما ما بعد الثورة فالمتابع للأحداث والتاريخ السياسي العربي يجد أن الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى سدة الحكم، واجهت إشكاليات كبرى عصفت بها بشكل كامل، وذلك بعد أن فشلت في بلورة سياسات بديلة أو استراتيجيات مضادة، تمكنها من زيادة مناعتها وإطالة أمد بقائها في الحكم، وهذا يعود إلى اعتبارات عديدة أهمها التحول السريع من المعارضة إلى السلطة دون توافر خبرة كافية بشئون الحكم، فضلا عن اتساع الفجوة بين الرؤى النظرية التي تطرحها والسياسات العملية التي تنفذها.

فلم يكن الكثير من السياسيين والمراقبين للوضع المصري على سبيل المثال يتوقع أن تنتهي تجربة الإخوان المسلمين في مصر بهذه السرعة الفجائية، وأن يتحول مزاج الشارع المصري في غضون عام من مناصر وحليف إلى مناهض لبقاء الإخوان، ليس على كرسي الحكم فقط وإنما بقاؤهم أيضا حتى كتيار أو منظومة سياسية.

فبمجرد أن صعدت جماعة الإخوان الى قيادة مصر وأحكمت القبضة على مصدر صنع القرار في أرض الكنانة، فقد جعلها ذلك تغير جلبابها وتكشف عن نواياها واستعجلت النتائج كما فعلت طالبان من قبل.

حركة الإخوان في مصر فشلت فشلا ذريعا في إدارة البلاد وأدخلتها في أزمات سياسية متلاحقة، وأخفقت في حل مشاكل الشعب المصري الاقتصادية والأمنية، علاوة على تسببها في تدهور علاقات مصر الخارجية، مما أدى إلى نشوء موجة ثورية ضدها، تدخل على إثرها الجيش في 30 يونيو 2013 لصالح ملايين المتظاهرين وأنهى حكمها. وكانت ردة فعل حركة الإخوان ومن يدور في فلكها عنيفة، حيث اندلعت التظاهرات غير السلمية وأعمال العنف والعمليات الإرهابية، وردت الدولة المصرية التي يقودها العسكر بحظر حركة الإخوان واعتبارها حركة إرهابية واعتقال الآلاف من أعضائها وأنصارها.

ولم تكن مصر إلا محطة جاورتها محطات أخرى في تسلم دفة الحكم في تونس وليبيا، في الوقت الذي كان نظراؤهم يخوضون معركة طاحنة في سوريا، ودخلوا في مساومات متقدمة للمشاركة في الحكم في المغرب والأردن، واصطدموا مع حكوماتهم في الكويت والإمارات، ربما تكون التجارب الأخيرة أقل بريقا لكنها تشكل في مجملها صورة للإسلام السياسي الذي انتفض ليعيد مجد الخلافة وينجز الخيال السياسي للإسلاميين بوراثة الأرض.

الإخوان المسلمون في ليبيا فشلوا أيضا في تكوين رأس مال اجتماعي وسياسي، لكنهم في الوقت الحاضر يسعون إلى الاتجاه نحو السياق القبلي للسيطرة ولو على أجزاء محددة من ليبيا.

حزب العدالة والتنمية في المغرب الذي نشأ عام 1967 تبنى منهج التدرج في خوض العمل السياسي حتى وصل إلى 107 مقاعد في البرلمان في الانتخابات الأخيرة، غير أن الحزب لم يستطع تقديم نجاحات ملموسة في أهم الملفات التي حركت الشارع المغربي عقب الثورات العربية، وهو الملف الاقتصادي، وملف حقوق الإنسان، فضلاً عن إخفاقه في الحفاظ على التماسك الداخلي داخل الحزب نفسه، وكذلك قدرته على الحفاظ على تحالفاته مع القوى السياسية الأخرى.

أما فيما يخص تجربة تونس، فكان من أسباب تعثر حركة النهضة حرصها على القفز سريعاً على السلطة، وعدم محاولة اكتساب الخبرة مقدماً، وهو ما اتضح من خلال وجود كوادر غير قادرة على إدارة العملية السياسية، إلى جانب محاولات الاستحواذ على السلطة، والتحالف مع أحزاب أخرى ضعيفة للمحافظة على هذا الاستحواذ.

وفي السودان أدى فشل الإسلاميين إلى تقسيم البلد الذي كان يعتبر الأكبر أفريقيا وعربيا. فقد انفصل جنوب السودان وأصبح دولة مستقلة، وهناك أقاليم أخرى في البلاد معرضة لنفس المصير، ورئيس البلاد عمر البشير مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكابه جرائم حرب في دارفور، ويعتبر أول رئيس دولة مطلوب القبض عليه وهو ما يزال على رأس السلطة!

أما في العراق فشلت الأحزاب الدينية الحاكمة في إدارة شئون البلاد حتى الآن، ويعاني العراق من التشرذم والفوضى والنزاعات الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية، بالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على إمساكها بالسلطة. ويعتبر العراق اليوم من الدول الفاشلة، حيث وضع في المرتبة الحادية عشر في إحصائيات 2013، من بين عشرين دولة عدت الأكثر فشلا حول العالم! واحتل المرتبة 155 في قائمة الدول الأكثر أمنا وسلاما، حيث وضع في ذيل القائمة سابقا الصومال بثلاث نقاط!!

وفي لبنان يواجه حزب الله خطرا محدقا به كتنظيم سياسي وعسكري وذلك في حال قيام حكومة معادية له، ولولا وجود العدو الإسرائيلي على الساحة ودخول حركة أمل في لبنان كحليف لحزب الله لكان الوضع قد اختلف كثيراً.

في البحرين فشلت الحركة الإسلامية الشيعية في استقطاب التعاطف الإقليمي والدولي معها، وتمكنت الحكومة البحرينية من السيطرة على الأوضاع مرة أخرى، وخرجت وهي قادرة على التحكم والسيطرة وبيدها الكثير من الأوراق، بينما احترقت الكثير من أوراق المعارضة الإسلامية، فقد تيقنت القوى الإقليمية والدولية بأنها تسعى لإنشاء دولة دينية تديرها الأغلبية الشيعية، على غرار إيران والعراق، وان أطروحة الملكية الدستورية يراد به إبقاء العائلة المالكة مجرد اسم بلا رسم كمرحلة أولية فقط، ريثما تتمكن من القفز عليها وتحويل البحرين إلى جزء من المحور الإيراني في المنطقة.

أما في فلسطين فقد أدى إخفاق حماس في إدارة الحكومة الفلسطينية وفشلها في الممارسة السياسية السلمية والديمقراطية إلى حدوث شرخ وطني فلسطيني يتمثل بانفصال إداري وسياسي بين غزة والضفة الغربية، ومنذ سنوات وحماس تحكم القطاع من دون اعتراف إقليمي ودولي، وتواجه اليوم عزلة سياسية وحصار اقتصادي خانق، خاصة بعد خروجها من المحور الإيراني، بتأييدها للثورة السورية وإنهاء تحالفها مع النظام السوري، فقد جمدت المساعدات الإيرانية وطردها حزب الله من لبنان، وكانت الضربة الموجعة بسقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر، واتخاذ السلطات المصرية الجديدة مواقف عدائية ضدها، ولم يبق لها سوى حكومة رجب طيب اردوغان التي تواجه هي الأخرى احتجاجات متصاعدة، لتواجه حماس بعد ذلك خطر الانهيار من دون أن تخسر إسرائيل رصاصة واحدة!

وانطلاقاً مما ذكر، يمكن الاستخلاص أن الأحزاب الدينيّة لا تستطيع التقولب في داخل النظام الديمقراطي بشكل كامل بسبب ثنائيّة المبدأ في منظومتها الفكريّة، والتي تؤدّي إلى تقييد الديمقراطيّة ضمن الحدود الدينيّة بحسب مدى بسط يديها في ذلك. لذلك هي تواجه دائماً أزمات اجتماعيّة تطالبها بالالتزام بالقيم والمبادئ الديمقراطيّة وليس فقط الاكتفاء بالأدوات الانتخابيّة التي تمثل جانباً واحداً من الديمقراطيّة وليس كلها.

حزب الإصلاح والفشل السياسي

حزب التجمع اليمني للإصلاح (تنظيم الحركة الإسلامية للإخوان) الذي أعلن عن ظهوره رسمياً عام 1990 شارك في بداياته ضمن مجلس الرئاسة اليمنية بعد أن تولى الشيخ عبد المجيد الزنداني نائب رئيس الجمهورية وقبلها شارك الحزب في الحكومة سنة 93م وكانت الحقائب الوزارية المكلف بها من أسوأ الوزارات حينها.

وبعد ثورة الربيع العربي فشل حزب الإصلاح ولم يستفد من تجاربه السابقة خصوصا لخلطه بين السياسة والدين، وسعيه الى الاستئثار بالسلطة دون أن يستغل الفرصة للاندماج في المنظومة السياسية.

ومع أن حزب الإصلاح يمتلك النفوذ المالي والتجارب الكثيرة في العمل السياسي، إلا أن الثوار خرجوا مرة أخرى إلى الشوارع في 11 فبراير 2014 رافعين شعار” الثورة ضد الفساد”، مطالبين بإسقاط الحكومة التي يسيطر حزب الإصلاح على أهم مفاصلها.

ويتضح من كل ذلك أن الأجندة السياسية للإخوان المسلمين في اليمن أثبتت أنها تنطلق من مصلحية ضحلة، وهو ما يتضح أيضا للكثيرين خصوصا في الفترة الأخيرة من خلال تأييد الإصلاح لأقلمة اليمن بما يحفظ مراكز نفوذهم في بعض المناطق وتعزيز الجهوية والقبلية والمرجعيات الدينية، أو في إصرارهم على بقاء الحكومة باعتبار أي تغيير في الحكومة الحالية هو تغيير في موازين القوى، وهو- من وجهة نظر الجماعة- ما يضر بمصالحها السياسية والاقتصادية التي حصدتها على مدى عامين كاملين، غير آبهة بمعاناة اليمنيين جراء ذلك ولا بكل تقارير الفساد التي نشرتها الصحف اليمنية والقضايا المرفوعة في بعض المحاكم ضد الحكومة.

إن القوى الدينية المتصارعة بقوة على الساحة السياسية تتجاهل رصيدها في صناعة القهر والإذلال وإنتاج الظلم بمختلف صوره في مراحل مختلفة من تاريخ اليمن المعاصر، وتدعي في شعاراتها وبرامجها وأهدافها وعبر وسائل إعلامها الحديثة إنها تجاهد من اجل المساواة والعدالة الاجتماعية والحقوق، فيما الحقائق تؤكد بأنها شاركت عملياً في معاول الهدم، المتمثل في تحالفها وشراكتها مع القوى التقليدية (الزعامات القبلية في شمال الشمال).

التيارات الإسلامية المشاركة في العمل السياسي

ولم يقتصر العمل الحزبي الإسلامي على الإصلاح فقد ظهرت العديد من الأحزاب ذات الطابع الديني والتي دخلت في صراعات فيما بينها وظلت شريكة أساسية في إدارة البلاد لفترة طويلة، وكثيرا ما شهدت الساحة السياسية في اليمن صراعا بين تلك الأحزاب كالصراع على الدستور اليمني في التسعينات فبينما كان حزب الإصلاح، يتهم الدستور بأنه دستور علماني ويهدف إلى نشر الأفكار الاشتراكية والعلمانية، فقد تبنى حزبا الحق واتحاد القوى الشعبية حملة مع الدستور، وهاجم الحزبان حزب الإصلاح واتهماه بأنه غير مؤيد لقيام دولة الوحدة.

التيار الإسلامي والمرجعيات الدينية :

أظهرت الأزمة اليمنية كثيرا من التيارات التي كانت في الصفوف الخلفية أو كانت بالظل وجعلت تقدم مطالبها وتظهر مناهجها وبرامجها وللإنصاف كانت هذه المجموعات الدينية موجودة في بعض الأحزاب وخاصة حزب الإصلاح وحزب المؤتمر الشعبي العام , لان نشأته توافقية ، ويتواجد أيضا في نسيج المجتمع اليمني ممثلة في الجمعيات الخيرية والمدارس والمعاهد الدينية ، وله تواجد في بعض المؤسسات العسكرية وهي الفرقة العسكرية التي استوعبت كثير من الأفغان العرب ؛ لان اليمن  حاولت احتواء العائدين من أفغانستان وكانت خطوة ايجابية في مجملها ، وقد أظهرت ونادت هذه المرجعيات والجماعات الإسلامية بالمشاريع الآتية :

دولة الخلافة الإسلامية وقد طالب بها الشيخ عبد المجيد الزنداني في أكثر من خطاب له في ساحة التحرير وغيره من المهرجانات والخطابات .

المطالبة بالدولة الدينية الثيوقراطية القديمة ، وهذه دعوت بعض الأحزاب السلفية القديمة التي لم تطور فكرها وأطروحاتها وظلت تتبنى الدعوات التقليدية .

المطالبة بدولة الحاكمية أي تحكيم الشريعة في الدول القادمة وهي مطالب عموم الأحزاب السلفية المتطورة أو ممكن تسميتها الأحزاب السلفية الانتخابية التي تجيز الانتخابات للوصول إلى الحكم .

جعل اليمن  إمارة إسلامية تطبق شرع الله على غرار دولة طالبان ، وهو مطلب الجماعات الجهادية .

المطالبة بدولة شبه مدنية تكون فيها انتخابات مدعومة من الخارج للوصول إلى الحكم وتغيير النظام اليمني وهي نظرة الجماعات الإخوانية داخل حزب الإصلاح .

إبقاء الدولة اليمنية مع إعطاء حلول بسيطة وتوسيع مشاركة بعض الجهات دون تغيير جذري وحقيقي للوضع في اليمن  وهي دعوة أكثر أطراف حزب الإصلاح اليمني وخاصة التيار القبلي والجهات الجهوية المتنفذة .

أنصار الله ومصيدة الانخراط في العمل الحزبي

والمتابع للمشهد اليمني يجد أن هناك توجها خطيرا لجعل اليمن  مسرحا دائما للتجاذبات السياسية .. مع تغيير بسيط في خارطتها ويتمثل ذلك بمحاولة جر أنصار الله الحوثيين الى تشكيل حزب سياسي وهذا المشروع في حقيقته يهدف الى جعل حركة الحوثيين كيانا جديدا وامتداداً للقوى التقليدية التي ستسعى الى استقطاب قوى سياسية بدلا من التفاتها الى قضية المواطنين ومعاناتهم.

ومن شأن هذا المشروع أن يعمل على زيادة الصراع الداخلي، ويفقد الحوثيين شعبيتهم التي اكتسبوها خلال الفترة الأخيرة.

اليمن  في نهاية المطاف بحاجة الى حركات شعبية وليس الى مزيد من الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تأتي بشعارات وأهداف جديدة، تتجه من خلالها نحو حشد الشارع لتقوية موقفها ضد الأحزاب الأخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى