تقارير

“الناصري” يهجر مخدع “الإصلاح”

الهوية – خاص.

في خطوة، اعتبرها السياسيون، شبه رسمية، عن انفراط عقد “اللقاء المشترك”، أعلن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، مساء الأحد الفارط، انسحابه من حكومة الوفاق الوطني.

وقال القيادي الناصري “محمد الصبري”: إن الأمانة العامة للحزب، اتخذت قرار الانسحاب من حكومة الوفاق الوطني على ضوء تقييمها للوضع الداخلي، لأن استمرار محاصرة صنعاء, يعني أن الأزمة ستتصاعد والأوضاع على الصعيد الوطني وصلت إلى درجة عالية من الخطورة”.

وأوضح الصبري في تصريح نشرته صحيفة “السياسة الكويتية”، أن هناك مفاوضات ثنائية تجرى من تحت الطاولة فيها الكثير من اللغط، حتى أنها تجاوزت المطالب المعلنة الخاصة بتخفيض أسعار المشتقات النفطية وإسقاط الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار، لذا فإنه من الأشرف لنا أن ننسحب من الحكومة حتى لا نكون شركاء في ما ينتج عن هذا الوضع الخطير الذي تعيشه البلاد”.

وأضاف الصبري، ” أن الحكومة معطلة لا تقوم بمهامها ولا المهام الوطنية ولا المهام الانتقالية منذ وقت مبكر والشركاء فيها كل منهم في واد”.

الأمين العام المساعد لحزب التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، محمد الرداعي، قال إنهم انسحبوا من الحكومة احتجاجاً على عدم الاستجابة لمبادرتهم، ليكون “الناصري”، أول حزب يعلن انسحابه من الحكومة.

وتدعو مبادرة التنظيم الناصري الرئيس هادي، إلى إصدار قرار بتشكيل لجنة اقتصادية من المختصين من مكونات مؤتمر الحوار بما فيهم جماعة أنصار الله، لدارسة الأوضاع المالية والاقتصادية وأن يكون ما تتوصل إليه اللجنة ملزماً للجميع.

ويعتقد مراقبون سياسيون أن الحزب الناصري، الذي ينضوي ضمن تحالف أحزاب اللقاء المشترك التي يسيطر عليها التجمع اليمني للإصلاح “الإخوان المسلمين في اليمن”، لربما لم يعد يستحمل البقاء تحت ظل الإخوان، وربما أن الناصريين كانوا يتحينون الفرصة لإنهاء سنوات العيش في ظل الإصلاح، بعد أن أعادوا اكتشاف أن حزب الإصلاح، لم ولن يكون مساهما أساسيا لبناء نظام القانون والعدل لدولة اليمن بقدر ما يبقى الند والصديق والعدو أحيانا لقرارات الدولة اليمنية، ولم يعمل على إرساء نظام متين للعديد من الأسباب، أهمها مكونه الديموغرافي الداخلي.

ويعتقد محللون سياسيون، أن خروج الناصريين من عباءة الإخوان أمر طبيعي، وما لم يكن طبيعيا، هو دخولهم في تحالف معهم، مشيرين إلى أن بين الناصريين والإسلاميين تناقضا شديدا يصل إلى حد العداء، والصراع بينهما شبه أيديولوجي، فهما كفتان لا تتعادلان، الأول يؤمن بالفكر اليساري الشمولي، والثاني يتبني الفكر الديني وإعادة الخلافة الإسلامية، وكل منهما يعتبر الآخر خطرا على مشروعه.

ورغم حالات التباين والتنافر السياسي والفكري بين الإخوان وبقية الأحزاب المنضوية في اللقاء المشترك، منذ اشتعال ثورة التغيير 2011م ، إلّا أنهم حاولوا قدر الاستطاعة، الامتناع عن اتخاذ موقف واضح يبين الخلافات والتباينات فيما بين هذه الأحزاب من جهة والإخوان من جهة أخرى، خاصة، مع استحواذ شبه كامل من قبل حزب الإصلاح على كل شيء يتعلق بالسلطة والقرار، وجعل من اللقاء المشترك درعا وواقيا سياسيا، من خلاله حاول التظاهر بالمدنية، وإبعاد تهمة الايدولوجيا الإرهابية عنه.

لكن الخلافات، وإن كانت غير معلنة،  بدأت بين الإخوان والناصريين والاشتراكيين، منذ تباين الآراء والمواقف من سقوط  حكم الإخوان في مصر، والتي أكدت أن الثقة تراجعت بنسبة غير بسيطة، حيث ظهرت على السطح خلافات شديدة بين قواعد تلك الأحزاب على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أيد اليساريون “السيسي” في مصر، بينما رأى الإصلاحيون أن من يؤيد ذلك بلا وعي سياسي.

وعقب عزل “مرسي”، أصدر الحزب الناصري بياناً رسمياً أيد فيه ذلك، وعجز حزب الإصلاح في إصدار بيان باسم أحزاب اللقاء المشترك لإدانة الأحداث التي أعقبت ورافقت فض اعتصامي رابعة والنهضة في مصر، ليكتفي بإصدار بيان باسمه وآخر باسم كتلته البرلمانية، وهو الحزب الوحيد من بين عشرات الأحزاب في اليمن الذي أدان ذلك في بيان رسمي.

ربما الأمر لم يقتصر حد البيانات، فقد اشتبك الناصريون مع “الإخوان المسلمين” بالأيادي أثناء مشاركتهم في مسيرة دعت إليها أحزاب اللقاء المشترك في محافظة تعز بمناسبة أعياد ثورة 26 سبتمبر، العام الماضي.

حينها قال مصدر مسئول من حزب الوحدوي الناصري “: يجب على حزب الإصلاح ألا يدخل الصراعات الخارجية إلى داخل البلد لإثارة الفتنة، خصوصاً إذا كان يسعى إلى تماسك أحزاب اللقاء المشترك ككيان واحد.

غير أن الصراع الناصري الإخواني، يبقى صراعا تاريخيا، وبحكم الايدولوجيا المتناقضة، التي تحكم كل منهما،  ففي انقلاب 1979م، الذي نفذه الناصريون وما سمي بالحركة التصحيحية آنذاك، والذي اعتبره المشاركون به استمرارا للتيار المدني الذي كان يصارع للوصول إلى مدنية الدولة وانتشالها من جهل وتخلف القبيلة آنذاك، وقف حينها ما سميت بالحركة الإسلامية باليمن “التجمع اليمني للإصلاح” مع الرئيس السابق علي صالح، وكان لها دور بارز في إفشال ذلك الانقلاب، والذي انتهى مآله إلى إعدام قادته واختفاء العديد منهم وإدخال البعض الآخر إلى السجون، وهو ما ولّد العداء السياسي ، الذي يبدو ظاهرا بين الناصريين وحزب الإصلاح.

كما أنه يستحيل على الناصريين، نسيان الجرائم التي ارتكبها بحقهم حزب الإصلاح، خاصة، محمد اليدومي ، رئيس حزب الإصلاح(الإخوان المسلمون في اليمن ) وذلك في سجون الأمن السياسي، وشركائه صالح سميع ومحمد خميس وغيرهم من الجلادين المجرمين الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق الإنسانية داخل سجون الأمن السياسي.

فبعد تغير النظام السياسي في اليمن في يوليو 78، ووصول الرئيس علي عبد الله صالح للحكم، كان اليسار آنذاك هو المستهدف بالقمع وملاحقة أعضاء الجبهة الوطنية، أو ما عرفت بحوشي. وفي 15 أكتوبر من العام 78، قامت حركة الناصريين بمحاولة انقلابية ضد الرئيس صالح، لم يكتب لها النجاح، وعلى إثر ذلك لوحق أعضاء التنظيم الناصري ولجان التصحيح والتعاونيات والمغتربين، وحوكم 9 ضباط اشتركوا بالحركة، محاكمة عسكرية ميدانية بعد تحقيقات لم تخلُ من التعذيب الشديد، وأعدموا في 26 أكتوبر، وهم: محسن فلاح، عبد الله الرازقي، عبد العزيز رسام، سالم منصر، مهيوب العرقي، عبد الواسع الأشعري، أحمد مطهر مطير، منصر، والفليحي.

فيما استمرت محاكمة 12 مدنيا من قيادات الناصريين، وهم: عيسى محمد سيف، عبد السلام مقبل، سالم السقاف، محمد إبراهيم أحمد، سيف حميد، مانع التام، علي السنباني، محمد محسن الجحافي، ناصر اليافعي، علي صالح الردفاني، عبد الكريم المحويتي، وحسين عبد الباري.

وتعرض هؤلاء جميعا لأقسى أنواع التعذيب، وحسب شهادة محمد مسعد الرداعي، أنه ولفرط التعذيب الذي تعرض له أفراد الحركة، كسر العمود الفقري للدكتور سالم السقاف، ما يعني أنه تم إعدامه ميتا أو مكسور العمود الفقري، وكان الوزير عبد السلام مقبل يتعرض لوجبات تعذيب قاسية ومتلاحقة أثناء التحقيق للكشف عن التمويل، وكان يعود لزنزانته مضرجا بدمائه، دون أن يكشف شيئاً، ويطمئن رفاق الزنزانة. أما الشهيد عيسى محمد سيف، فرغم كل أنواع التعذيب الذي مورس عليه، إلا أنه بقي مصرا على تحمل المسؤولية وحده، وهذا ما كان يؤكده في المحكمة بفروسية، وتضحية، وإيمان أدهش الكل. وأصدرت محكمة أمن الدولة التي رأسها القاضي غالب عبد الله راجح، حكمها بالإعدام ضدهم جميعا عدا سالم الردفاني الذي حكم عليه بالسجن المؤبد، ونفذ الإعدام، ولم تسلم جثثهم إلى ذويهم، ولم يشهد أحد عملية إعدامهم، أو يعرف مكان دفنهم حتى الآن.

وكان أعضاء التنظيم الناصري عرضة للملاحقة والاعتقال في العاصمة وعدد من المحافظات، على ذمة الحركة، من أبرزهم: محمد مسعد الرداعي، سلطان حزام العتواني، علي الكوري، عبد الله المقطري، سلطان أحمد غانم، عبده حمود القحم، ومحمد سلام، وجميعهم تعرضوا للتعذيب..

وبعد عام تم الإفراج عن جميع المعتقلين الناصريين بدون محاكمات، وبلا تدخل قضائي، وإنما بناء على اتفاق بين السلطة وقيادات ناصرية، مقابل وقف العمل المسلح الذي كان التنظيم قد شرع فيه في بعض المناطق.

لكن استهداف الأعضاء الناصريين لم يتوقف بشكل تام، بل استمرت ملاحقة واعتقال البعض منهم أكثر من مرة، من قبل جهاز الأمن السياسي في العاصمة وبعض المحافظات، وتعرضوا للتعذيب. ومنذ قيام حركة الناصريين ما يزال عبد الله محمد سيف، شقيق القائد الشهيد عيسى محمد سيف، مخفيا قسرا، ولا يعلم مصيره حتى الآن، وقد اختفى في القاهرة، حيث كان يدرس بالعام 79.

تعرض للتعذيب محمد مسعد الرداعي، هو وزملاء له ممن سبق إيراد أسمائهم، بشكل يومي أثناء التحقيق، وحتى اليوم ما تزال آثار التعذيب واضحة على يدي وقدمي الرداعي، ما يدل على شدة ممارسة التعذيب التي تلقاها.

واستمرت ملاحقة المنتمين لليسار والناصريين طيلة فترة الثمانينيات، وخلال هذه الفترة تعرض كثير منهم للاعتقال، لأسباب تتعلق بالانتماء، وكان يتم ممارسة التعذيب بشكل مستمر ضد البعض منهم إلى درجة قاسية، ومن المعتقلين في تلك الفترة على سبيل المثال: عبد الوارث أمين عبد الكريم القدسي، وتفيد شهادة “عبد الرحمن سيف”، أنه وجد على جدار زنزانته في السجن اسم عبد الوارث، وتسلسل لتواريخ الأيام حتى عام 82، ما يدل على أنه عاش حتى هذا التاريخ.

ويسجل هنا حسب إفادة شهود متعددين أن محمد عبد القاهر المخلافي قضى نحبه تحت التعذيب على يد وكيل الجهاز العقيد محمد اليدومي، وهي حالة يتم تداولها على نطاق واسع مشافهة. والمخلافي ليس الحالة الوحيدة التي يتهم بها اليدومي، بل هناك حالة أخرى ينسب موتها له تحت التعذيب، وهو الصحفي محمد عبد الله هادي، الذي مات أيضا، تحت التعذيب، ولم تسلم جثته لذويه، ويعتبر مخفيا قسرا، كما تنسب إليه قيادات بعض الأحزاب تعذيبها، وأفادت قيادات حزبية تحفظت على إعلان أسمائها بسبب اعتبارات سياسية، وتحالفات تجمع الإصلاح الذي يرأسه اليدومي، أنها تعرضت للتعذيب على يد اليدومي، وأنه كان يمارس التعذيب بحقهم أثناء التحقيق ليلا، وحسب إفادة أحد الشهود (ناصري الانتماء طلب عدم ذكر اسمه)، فإن اليدومي كان يعلقه، وحينما تحين صلاة الفجر يتركه معلقاً، ويذهب لأداء الصلاة. وأكد نفس الرواية والتعرض لها شاهد آخر من البعث، تحفظ على ذكر اسمه. وحسب كلام لضباط عملوا تحت إمرة اليدومي، فإنهم يعزون إليه قناعتهم بالتعذيب، أنه حماية للدين، والوطن، من الخطر الشيوعي، كما يقولون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى