استطلاعاتعناوين مميزة

المسلسلات المدبلجة … صدمة ثقافية وآثار تربوية على المجتمع

2014-turk_compressor_369812219اجتاحت بيوتنا من دون استئذان، واقتحمت جلساتنا العائلية من دون دعوة، تحكمّت بأوقاتنا، ولعل أكثر ما سيطرت عليه،  مشاعر النساء. فصرن يحزن ويفرحن على وقع أحداثها . هي المسلسلات المدبلجة الغرامية بأحداثها التي لا تنتهي، وعقدها التي لا تنحلّ، نتابع أحداثها بشغفٍ على وقع مشاغل حياتنا اليومية، فباتت  محور الأحاديث في كل مجلسٍ أو اجتماع حتى أصبحت مواعيد عرضها مقدّسةً بالنسبة لمعظم السيدات.

الهوية في هذا الاستطلاع تتساءل عن مدى تأثير هذه المسلسلات وما شابهها على مجتمعاتنا وعاداتنا العربية وعلى أسرنا خاصةً؟

 

أحب متابعة المسلسلات التركية

بداية تقول سارة محسن  “أحب متابعة مسلسل (اليتيمة) لأنه يتحدث عن قصة شيقة، وأحيانا كثيرة اكرر مشاهدة حلقاته على اليوتيوب لشدة إثارتها”. وتضيف: “كنت أتابع سابقا المسلسلات التركية المدبلجة, لكن عندما بدأت القنوات ببث المسلسلات الهندية أصبحت أتابعها باستمرار كونها تتناسب مع رغبتي بالمشاهدة”. وتتابع: “بالرغم من متابعتي لهذه الأعمال الدرامية واحتلالها لجزء كبير من وقتي، إلا أنها لم تشغلني عن دراستي, حيث أتابعها خلال وقت فراغي, ورغم حبي الشديد لمتابعة بطلي المسلسل، إلا أنني لا أتمنى أن أعايش القصة واقعيا لأنها لا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا”.

وتقول كفى محمد “أتابع بشغف مسلسل العشق الأسود .. وأعاود حلقاته التي تبث كل مرة في الفضائيات العربية” تفصح كفى، وهي مستخدمة بإحدى الشركات الخاصة، عن مسلسلها التركي المفضل والذي لاقى شهرة واسعة داخل عدد من الأسر اليمنية .. أما أختها مها فتقول إنها دخلت وسط روتين قاس جراء متابعة هذا المسلسل وتكراره، قبل أن تزيد “في بعض الأحيان أستفيد من طريقة لباس الممثلات وتزيين البيوت”.

المشاهد الرومانسية تجذب المشاهد

من جهته فتح عبد السلام  يقول  إنّ المشاهد الرومانسية تجذب الجميع، مبيّناً أنّ بعض مخرجي المسلسلات يعتمدون على اللقطات الساخنة ويكثفونها أكثر من غيرها؛ لأنّه يعلم ما يجذب المشاهد، مشيراً إلى أنّ المسلسلات المدبلجة تضاعف حجم مدمنيها، وباتت محط اهتمام الكثيرين، معتبراً أنّ فئة الشباب هم أكثر المتضررين؛ كونها تغرس فيهم أفكاراً وأخلاقيات منافية لما تربوا عليها، حيث اجتمعت كل عوامل التأثير من جاذبية الأبطال إلى البراعة في التمثيل والإخراج؛ مما يسهّل انقياد البعض وإمكانية وقابلية استعماره ثقافياً.

تؤثر على حياتنا  

وتقول والدة الطفلة هالة ( 8 سنوات) أن ابنتها تصر على متابعة المسلسلات المدبلجة حيث تحاول تقليد أبطال المسلسل من حيث اللباس والتصرفات بشكل يؤثر سلباً على نفسية الطفلة ويتعارض مع تعاليم ديننا الإسلامي وأخلاقنا التي نشأنا عليها .

وتشير بأن المسلسلات المدبلجة تلقى رواجاً واسعاً من قبل فئة كبيرة من أفراد المجتمع ولا يقتصر على عمر معيّن بحيث يعتبرها بعضهم بدافع التسلية والبعض الآخر الإعجاب الشديد بالشخصيات للمثلين في تلك المسلسلات .

وتقول أم هالة إن  متابعة المسلسلات المدبلجة من قبل فئة كبيرة من أفراد المجتمع قد تحول إلى هوس ناتج عن فقدان الحب والعاطفة بين الزوجين وبين أفراد الأسرة الواحدة بحيث يعيش المتابع لمجريات وأحداث المسلسل في عالم آخر قد يصل إلى حد الخيال .

وتقول أم فراس خالد بأن أبناءها الأربعة في سن المراهقة ينتظرون بفارغ الصبر المرور بقصة حب مشابهة للقصص التي تبث في المسلسلات المدبلجة وتؤكد بأنهم يحاولون تقليد أبطال المسلسلات من حيث طريقة استخدام الأسلحة وبشكل يولد العنف بمختلف أشكاله بحيث يلجؤون إلى ممارسته على أقرانهم وعلى أفراد الأسرة .

تخالف عاداتنا وتقاليدنا

الحاجّة منيرة، وهي في الستينات من عمرها، تقول إنها تتابع لقطات قصيرة من مسلسل”جودا اكبر “، حيث تجتمع مع أسرتها لمشاهدته.. مثيرة تفضيلها متابعة المنتجات الفيلمية الدينية التي تبثّها عدد من الفضائيات، قبل أن تزيد منيرة أن “زمن الحياء مضى”، “كنت أستحي من والدي وأغطي انتفاخ بطني وأنا متزوجة وحُبلى.. أما الآن فقد تغير الأمر جراء تأثير التلفاز في أبنائنا”.

تؤثر على الأبناء

من جهته يقول التربوي عبد الله أمين إن البرامج والمسلسلات التي تحمل شحنات من صور ومشاهد الحياة الغربية تنعكس بضرر بالغ على الأبناء في ظل انعدام قدرة ولي الأمر على الرقابة بعد ثورة وسائل الاتصال والإعلام والإنترنت والفضائيات التي حولت العالم إلى قرية صغيرة لم يعد بالإمكان كما كان في سنوات خلت فرض رقابة محكمة على ما يشاهد ويعرض لأبنائنا.

 لها أبعاد ثقافية واجتماعية واقتصادية

كما يقول التربوي هشام سالم «إن التعاطي مع المسلسلات الأجنبية المدبلجة المنتشرة على القنوات الفضائية العربية أخذ منحا مغايرا لسياقاتها الطبيعية، خصوصا «المسلسلات التركية» وهو نوع من الدراما الذي يطلق عليه دراما «الصابون»، الذي أنتجته ماكينة الأفلام الأميركية (هوليوود)، وهو يهدف إلى وصول المعلن عنه إلى المشاهدين، وما يحمله هذا المعلن من أبعاد ثقافية واجتماعية واقتصادية».

ويرى هشام أن السياق الدرامي الفني من خلال الأفكار المطروحة يبين من خلال عرض مسلسلين للدراما التركية، وما أحدثه ذلك من ضجة داخل المجتمع اليمني، يشير إلى أن هناك إشكالية ثقافية وأخرى معرفية، وهو الذي يصل بالبعض إلى التخوف من تأثيرهما في ثقافتنا أو في سلوكيات مجتمعاتنا المحلية، وهو يعتبر ذلك خارج المنطق والمعقول، والسبب هو عدم التفريق بين ما هو خيالي وواقعي.

لا تشكل خطراً على المجتمعات

ويعتقد الأستاذ ماهر علي، أن المسلسلات المدبلجة لا تشكل خطراً على المجتمعات، سواء كانت محافظة أو غير محافظة، متسائلاً:  كيف نقيس أثر المسلسلات الأجنبية التي كانت تعرض طيلة السنوات السابقة؟، إن العالم ـ كما يضيف ـ يعيش اليوم في قرية كونية، ولا يمكن لأي مجتمع أن يعزل نفسه عن غيره من المجتمعات، فكل مجتمع يملك ما يؤثر به معاً، وهو بالتالي يتأثر بغيره من المجتمعات شاء أم أبى . وهو يرى أن الثقافة اليمنية ليست هشة إلى حد الانسياق وفقدان هويتها في مقابل الآخر ، مبيناً أن الثقافة الأصيلة هي التي تعرف كيف تتعاطى مع الثقافات الأخرى من دون أن تفقد سمتها أو لونها.

تؤثر على ثقافة المجتمع

الباحث النفسي د. مصطفى وليد يقول إن الدراما المدبلجة كالمسلسلات التركية والهندية .. وغيرها، تحمل ضمن طياتها مضامين وإسقاطات نفسية تؤثر على ثقافة المجتمع، وسيكولوجية الفرد، وتؤثر أيضا في نمط الشخصية بما تبثه من مفاهيم غريبة على ثقافتنا وعاداتنا وتعاليم ديننا الإسلامي، مشيرا إلى أن هذه المسلسلات من خلال ما تعرضه من مشاهد عاطفية مبالغ فيها تؤثر على سيكولوجية ونمط سلوك مجتمعنا العربي والإسلامي، وذلك التأثير يؤدي إلى انجراف عاطفي مبالغ فيه أو غير مبرر، وهو ما يولد نوعا من الإستراتيجية الخاطئة في تركيبة النفس البشرية، وفي سلوك الفرد.

وأضاف الدكتور مصطفى أن من ضمن الأفكار السلبية التي تتضمنها تلك المسلسلات، تصوير الحياة بشكل مغاير عن الحقيقة والواقع، ما يؤدي إلى خلق حالة السخط وعدم الرضا نتيجة المقارنة في بعض الأحيان بين التخيل والحقيقة، والانجراف للعيش في واقع افتراضي، يستمد قيمه وتفاصيله من الدراما، مؤكدا أن من أساسيات برامج العلاج النفسي، هو إقناع الفرد أنه لا توجد حياة بدون مشاكل أو عقبات وصراعات، وأن تلك الحياة المثالية لا توجد على أرض الواقع.

وأشار الباحث النفسي إلى أن كمية المشاعر والعواطف التي تبثها تلك المسلسلات، أحدثت خللا في التركيبة الأسرية لمجتمعنا، فأصبحت كل امرأة تنتظر من زوجها أن يكون مثل “مهند” بطل الدراما التركية، ومن هنا يحدث الصراع بين الرجل والمرأة، بين التعايش في الواقع والخيال، ومن ثم تحدث المشاكل التي قد تؤدي للطلاق الوجداني أو الطلاق الفعلي في بعض الأحيان، موضحا أن تلك المسلسلات تؤثر سلبيا أيضا على سلوكيات الأطفال بتقديم قيم متناقضة تماما للقيم السائدة في مجتمعنا، وذلك من خلال ما تعرضه من مشاهد عاطفية، وعنف، وقتل الوازع الديني لدى الأطفال من خلال تصوير الحياة بدون أي قيود دينية تمنع أبطال تلك المسلسلات من ارتكاب الأخطاء.

ويرى الدكتور عبد اللطيف صالح، (أستاذ علم النفس)،  أن الإقبال على النوعية الجديدة من المسلسلات المدبلجة  يعكس ضعف الوازع الديني والخواء الفكري وغياب الرقابة الأسرية؛ محذراً من مخاطر الانجراف وراء قيم التغريب والتقليد الأعمى للفكر الغربي.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى