مساحات رأي

الحرب التي كسبها هادي دون أن يخوضها

download (4)نبيل سبيع

من قرأ موقف الرئيس هادي من حرب عمران باعتباره “موقفاً محايداً” مخطئ، ومن اعتبره موقفاً سلبياً مخطئ أكثر.

رغم أنه بدا في سياق نسق كامل من مواقف “الحياد السلبي” التي اتخذها ويتخذها حيال الكثير من القضايا وحتى الحروب، إلا أن موقفه من حرب عمران لم يكن كذلك في تقديري: هادي اتخذ موقف “الحياد” فقط من طرفي الحرب المتمثلين في الإصلاح والحوثي، لكن “حياده” هذا شكل في الواقع انحيازاً للجيش والدولة.

حاول الإصلاح تضليل الجميع بإقناعهم أن حرب عمران ليست بينه وبين الحوثي بل بين الأخير وبين الجيش والدولة، وربما نجح في تضليل كثيرين ينظرون بقلق الى وثبات الحوثي في عمران وغيرها من محافظات الشمال، وقلقهم هذا في محله لاشك، فالحوثي ليس جماعة تحمل الورد ولا وعداً بمستقبل زاهر. غير أن قلقهم من الحوثي حولهم الى مجرد مؤيدين عميان وسذُّج للحرب التي يطمح الإصلاح الى جر البلاد إليها من أجل تحقيق أجندته وأهدافه الخاصة لا أجندة وأهدافاً وطنية.

اقلقوا من الحوثي، فقلقكم منه في محله! لكنْ، لا تحولوا قلقكم هذا الى عصابة سوداء يلفها الإصلاح حول عيونكم لكي يزج بكم وبما تبقى من جيشكم ودولتكم في حروبه الخاصة التي لم ولن تكون حروباً وطنية. لقد ضللكم الإصلاح بشأن حربه في عمران، وقد سعى من خلال وسائل إعلامه ودعايته الى إظهار الرئيس هادي بصورة من خان الجيش والدولة، أو من خذلهما في أفضل الأحوال. غير أن الواقع يقول غير ذلك.

موقف هادي من حرب عمران كان مفهوماً ومنطقياً: هناك حرب واحدة يخوضها الجيش والدولة بقرار رسمي واضح ومعلن، وهي تدور في الجنوب. وهذه الحرب حظيت بتأييد شعبي ووطني غير مسبوقين، لكن هناك طرفاً سياسياً لديه جناح عسكري داخل الجيش، هو الإصلاح، انفرد بموقف معارض ورافض لهذه الحرب التي التف اليمنيون حول الجيش والدولة فيها، وسعى بكل الوسائل والسبل لإيقافها وإحباطها والزج بالجيش والدولة في الحرب الدائرة في الشمال بينه وبين الحوثي منذ شهور. وحين لم تفلح مساعيه، حاول إجبار هادي على دخول الحرب التي يخوضها بدون قرار ولا موافقة من هادي من خلال ترك الأمور بين الحوثي ولواء القشيبي تصل الى النقطة التي تفرض على هادي التدخل. وهذا ما كاد ينجح فيه فعلا بعد سيطرة الحوثيين على مواقع تابعة للجيش في عمران، الأمر الذي فرض ربما على هادي توجيه قوات الطيران بالتدخل في خطوة مفهومة، خطوة لم يجبره عليها كما يبدو الإصلاح فقط بل الحوثي أيضاً.

غير أن هادي فرض كلمته على الإصلاح وحلفائه في عمران: لن يلتحق الجيش والدولة بحربكم، فحربكم ليست حربنا، هذا ما قاله لهم موقفه من الحرب وما أكده ضمنياً اتفاق وقف إطلاق النار. لست مؤيداً لسياسات هادي، ومن بينها: سياسة “الحياد السلبي” التي اتبعها ويتبعها حيال الكثير من القضايا الوطنية الحساسة، لكن موقفه من حرب عمران كان مختلفاً تماماً، وكان موفقاً أيضاً.

ولم يقتصر الأمر على هذا: في حسابات المكاسب والخسائر، يبدو واضحاً أن الإصلاح تكبد في عمران الكثير من الخسائر التي ربما لن تكون آخرها قرار هادي الصادر  بإقالة محافظ عمران، كما يبدو واضحاً أيضاً أن الحوثي خرج من المواجهة في المقابل بالكثير من المكاسب الخاصة به طبعاً. غير أن هناك طرفاً ثالثاً حقق مكاسب هامة في حرب عمران دون أن يخوضها، وهو: هادي.

هادي خرج من حرب عمران بمكسب كبير تمثل في انتزاع “قرار الجيش” من يد علي محسن الأحمر وبيت الأحمر والإصلاح، أو على الأقل تمثل في التأكيد على أن قرار الجيش يجب أن يكون قرار الرئيس هادي وحده. بموقفه من حرب عمران الذي انتقده عليه كثيرون، أوضح هادي أمرين: الأول أنه ليس- أو لم يعد- “تابعاً” لعلي محسن والإصلاح كما هي الصورة الشائعة عنه. والثاني أن قرار الجيش أصبح في يده ليس بحكم أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة في الدستور فقط، وإنما أيضاً- وهذا هو الأهم- بحكم أن مركز القوى الأقوى والمنافس له داخل الجيش والمتمثل في علي محسن والإصلاح خسر الحرب على أرض الواقع حين قرر خوضها بوحدات الجيش الموجودة في يده بدون قرار أو موافقة هادي، أو بإيجاز أكبر: بدون هادي.

باختصار، ربما بات علينا من الآن فصاعداً أن نغير نظرتنا الى العلاقة بين هادي وعلي محسن: لم يعد هادي مجرد نائب لعلي محسن أو مستشار له كما هي النظرة السائدة للعلاقة بين الرجلين، بل هو علي محسن من أصبح- أو في طريقه الى أن يصبح- مجرد مستشار لهادي كما هي صفته. وفي الأخير، تبقى هذه مجرد قراءة أولية تحتمل الصواب والخطأ كما هي الأحداث الجارية تحتمل الكثير من التطورات في اتجاهات ووجهات ما تزال غير منظورة أو غير واضحة على الأقل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى