تحليلات

إعادة تدوير المصابين بـ "الزهايمر السياسي"

 الهويه /تحليل 

 لعل مرض الزهايمر والذي يرتبط بالشيخوخة بشكل أساسي أو الخرف الباكر؛ والذي من دلائله وشواهده غياب الذاكرة أو ضعفها؛ والتوهان واضطراب الحُكم على الأشياء؛ وترديد بعض الوقائع بصورة مستمرة، وفقدان القدرة على مغادرة محطّة بعينها، أو تجاوزها إلى محطّة أخرى.

ورغم أن الذاكرة هي وعاء الخبرة، ولذلك تبقى خبراتنا متوهجة طالما استمرت ذاكراتنا تعمل دون أعطال، فإن للدول كذلك ذاكرة، وهي ما اتفق على تسميته بـ(التاريخ)، ولكن المفاجئ في هذا الأمر أن هذا المرض لا تقتصر إصابته فقط على الأشخاص الطبيعيين من بني البشر ولكنه أيضا يمكن أن يصيب الكيانات السياسية والاجتماعية والرموز السياسية التي تحسب في خانة الحصافة مثل ما حدث أو يحدث عندنا من رموز سياسية وقيادات يحسب لها الناس أنها مؤتمنة على تاريخ هذا البلد تنسى تاريخها القريب فكيف تحفظ تاريخنا البعيد!!

جولة سريعة في واقعنا السياسي تجعلك تكتشف تفشِّي هذا المرض في سطور بعض السياسيين وفي عقولهم؛ وليس باعث ذلك تشبُّثهم برياضة الجري في الميدان السياسي برغم تجاوزهم السبعين من العمر فحسب، بل بسبب إصرارهم على أنّ الشمس لا تُشرق إلا بوجودهم؛ وأن الدنيا لا تصلح إلا بفعلهم.

وعلى ما يبدو أن الزهايمر غير وجهته صوب السياسيين في اليمن  ليصيب الكثير منهم ، ليثبتوا بجدارة أنهم مولعون بهذا المرض المحير.

 فالإصابة بالزهايمر السياسي تبدأ أعراضه  بالتخبط  في القرارات والتصريحات السياسية التي يطلقها البعض من السياسيين ليعودوا ويقفوا  بأنفسهم بوجه هذه التصريحات أو المواقف التي اتخذوها.

  بل أن إحدى الكتل السياسية برمتها تجعل  من الزهايمر السياسي، وسيلة للوصول إلى ما تخطط له عن طريق توظيف هذا المرض لمصلحتها، وكما هو الحال مع “حميد الأحمر”، صاحب شعار تسليم السلطة للشباب، في حين واقعه وتاريخه يؤكد إدمانه تقريب وتلميع وإعادة صناعة الشخصيات المتهالكة، اعتاد حميد اختيارها وانتقاءها بعناية فائقة، مدركا أنها شخصيات ربما تعيش في العمر الافتراضي لم تعد تتذكر أو تُميز بين الأمور السياسية والشخصية، شخصيات لا تجد حرجا في إكمال بقية عمرها في مستنقع الإمعات، كونها صارت فاقدة الإحساس بالخوف على تاريخها بسبب تلوثها بفيروس الزهايمر السياسي.

منذ أن طفح “حميد” على السطح السياسي، نجد أن أبرز الشخصيات أعاد تدوير صناعتها سياسيا هم “فيصل بن شملان”، “محمد سالم باسندوة”، ” محمد حسن دماج”، وغيرهم من الإمعات التي يسعى “حميد الأحمر” لإعادة تكريرها، إذ أن القائمة تطول، لكن سنحاول أن نختزل ذلك في ثمة أمثلة.

لقد حاول “حميد الأحمر”، أن يجعل من الراحل “فيصل بن شملان” مجرد “بريق” في مشروع آخر اتضحت معالمه بمجرد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية2006م، فقبل تلك الانتخابات لم يكن أحد يعرف عن المهندس “فيصل بن شملان” الكثير حتى أولئك المختلطون بالشأن السياسي والإعلامي، عدا بعض التفاصيل “وزير سابق وبرلماني” لكن ذلك لم يحل بينه وبين أن يتقدم صفوف اللقاء المشترك ويقفز على قيادات تلك الأحزاب وكوادرها وأكاديمييها وسياسييها، ويخطف بطاقة الترشح باسم تلك الأحزاب للانتخابات الرئاسية.

ذاع صيت الرجل.. واحتلت أخباره وتصريحاته عناوين صحافة المعارضة التي بدأت حملة إعلامية لتحسين صورة بن شملان والإشادة بمناقبه ومآثره وقدراته الفذة في انتشال اليمن من “النفق المظلم” في حملة كان شعارها : (رئيس من أجل اليمن.. لا يمن من أجل الرئيس).

ولربما كان الاعتقاد أن أحزاب اللقاء رأت في الرجل مخرجاً لخلاف كانت نذره تلوح في الأفق في ظل حرص كل طرف سياسي على فرض أجندته وتغليب خياراته إضافة إلى أزمة فقدان الثقة بين مختلف الفرقاء (هكذا قال المحللون).

على مسافة قريبة من الحدث كان يقف الشيخ حميد الأحمر بكل ثقله “السياسي، القبلي، التجاري” خلف مرشح اللقاء المشترك ومرشح حزبه “التجمع اليمني للإصلاح”.

طويت صفحة الانتخابات وأحرقت معها ورقة “بن شملان” الذي أثبتت الأيام أنه لم يكن سوى “بيدق” في رقعة شطرنج وان لاختياره أسباباً لا تتعلق بـ “القاسم المشترك” أو “اليد النظيفة” أو “المشروع الوطني” بحسب ما اعتقد كثيرون.

فالرئيس الذي سوق له قيادات اللقاء المشترك بـ “رئيس من اجل اليمن” لم يكن إلا رئيساً من اجل المشروع الإخواني المتمثل بالوصول إلى السلطة وإقامة الخلافة الإسلامية كهدف لا تنكره قيادات الإصلاح ووثائقهم الداخلية.

وفيصل بن شملان الذي وصف بأنه رئيس من اجل اليمن كان في واقع الحال رئيس من أجل حميد الأحمر. حين دفع بمرشح كهل من أبناء المحافظات الجنوبية كـ “رئيس الجمهورية”.. بينما يحتل هو موقع “نائب الرئيس” ولو سار السيناريو وفق ما أعد له لكان حميد الأحمر يعلن نفسه قبل أيام رئيساً للجمهورية اليمنية، وفوق ذلك فإن حميد الأحمر كان بمثابة الحاكم الفعلي لـ “اليمن” منذ انتخابات 2006م بالنظر للوضع الصحي الذي مر به المهندس بن شملان في سنواته الأخيرة.

تلك السنوات الثلاث التي تلت الانتخابات الرئاسية والتي قضاها بن شملان متردداً على المستشفيات بعد إصابته بمرض خطير، في حين بدأ “حميد الأحمر” متمسكا بالعقلية البرجماتية الأصولية وحريصا على استثماره  لـرصيد بن شملان ويده النظيفة، لما بعد وفاته.

بعد ذلك، بدأ “حميد الأحمر” يبحث عن إمعة جديدة، فوقع الاختيار على محمد سالم باسندوة (يحمل جينات سياسية بمواصفات بن شملان) فكلفه برئاسة اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، فيما اسند لنفسه مهام الأمين العام في تكرار لنفس المنطق ونفس الأدوات.

ربما أن قيام ثورة الشباب 2011م ، جعلت من حميد الأحمر، يكون أكثر حرصا على باسندوة، وكما أثبتت الأحداث التي تلتها، حيث أنه بعد التوقيع على المبادرة الخليجية الذي كان حميد الأحمر، رافضا بنودها شكلا ومضمونا كونها ستئود أحلامه وطموحاته التي يريد الوصول إليها .. بعد جدل ومحاولات لاستعطاف حميد بالقبول على التوقيع وضع شروطا على تلك القيادات بأن القرارات يختص بها هو ولا يمكن لأحد منازعته في ذلك خاصة قرارات تعيين الوزراء وكذا لا يمكن لرئيس الوزراء اتخاذ أي قرار إلا بالرجوع إليه وموافقته .. فعرضت رئاسة الحكومة وتشكيلها على الدكتور ياسين سعيد نعمان إلا أنه رفضها كونه لا يريد أن يكون تابعا لحميد الأحمر لينفذ كل الامتلاءات والتوجيهات الصادرة من الحصبة ويبقى رئيس الوزراء “إمعة”.. كل من عرضت عليهم رئاسة وتشكيل الوزراء الحكومة من قيادات المشترك رفضوها وقبل بها محمد سالم باسندوة وهو ما أثلج صدر حميد الأحمر لأنه الرجل الذي سيكون بمثابة الخاتم في أصبعه ولن يعصي له أمرا .

بعد أن شكلت الحكومة، وتسلم باسندوه رئاسة الوزراء، فجر قنبلته التي قوبلت باستياء واسع والمتمثلة في إعفاء شركات حميد الأحمر من الديون الضريبية التي من المفترض تسليمها إلى خزينة الدولة وتوجيهاته إلى وزارة الاتصالات بتعويض الإمبراطور حميد.. وهو ما أكد للقاصي والداني بأن حكومة باسندوة وجدت لتلبية رغبات وطموحات حميد فقط ، وسخرت كل إمكانيتها وقراراتها لصالح إمبراطورية حميد بمعنى أن رئاسة الوزراء ما هي إلا شركة تابعة لإمبراطورية حميد الأحمر يديرها محمد سالم باسندوه وبعض معاونيه. . وان مستقبل رئاسة الوزراء مرتهن في تنفيذ إملاءات الإمبراطور حميد وتقديم التسهيلات للشركات والمؤسسات التجارية والبنوك التي تقع في محيط إمبراطورية حميد.

ليقوم حميد الأحمر، بإدارة حكومة الوفاق عبر مجلس وزراء مصغّر وفريق خاص يدرس أهم المناصب الحساسة في الدولة ليتم تعيين موالين له. وشكل فريق خاص يعمل على أخونة الدولة من خلال توظيف قيادات إصلاحية في المناصب الحساسة للوزارات التي يعمل الفريق على دراسة أهم تلك المناصب، بهدف السيطرة على مفاصل الدولة بشكل كامل.

حتى وصل الأمر بقيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي إلى أن قال: “إن رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، مدير لشركة تابعة لرجل الأعمال القيادي الإصلاحي حميد الأحمر”.

وأن “مهاجمة رئيس الحكومة باسندوة للشباب ناتجة عن فقدانه لعقله؛ كونه سبق وأن شتمهم بألفاظ نابية في فندق موفمبيك”، واستغرب اتهامه للشباب بالانتماء للنظام السابق بعدما صعد على دمائهم وجراحهم لمنصبه.

أيضا الحال ينطبق على الإنموذج الثالث، المتمثل بمحافظ عمران، الاخواني محمد حسن دماج، فهو أيضا إمعة، متهالكة ، يحمل ذات جينات الإمعات الـ”حميدية” ويحمل نفس فيروس الزهايمر السياسي، الذي يجعله مجرد عبد مطيع ومخلص لسيده حميد على حساب الوطن والشعب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى